رجل من عالم النسيان
أحمد يوسف
مقدمة لابد منها :
أعزائي
قراء البصّارة ، توقفت كثيراً عن الكتابة لأسباب كثيرة، منها الشخصي ومنها العام
وكلاهما كان مراً، حال التراث في بلدي لا يسر.. ما بين بيوت قديمة تهدم و إهمال
أثار بل هدمها كما حدث في مدينة أسوان ، و تغير شكل مدينتي القاهرة التي أعشقها حد
الألم ، كل ما حولي يتغير و كأن هناك من يمحو ذاكرتي.
أما
الشأن الخاص فهو فقدان صديقي و أستاذي دكتور محمد حسن الذي كان داعماً لي و معلماً
لي و ناقداً لي و بفقده فقدت جزءً من كلي ، و ها أنا الآن أحاول مرة أخرى أن أجمع
شتات أمري وأحث فلمي لعله يكتب ،وأملي هو أن تكونوا أنتم الداعمين لي كما كنتم على
مواصلة رصد ما حدث في تراثنا و التشبث بذاكرتنا التي تمحى عن عمد.
من ذاكرة مصر المنسية رجال صنعوا التاريخ، أحيوا التاريخ ولكن نسيهم من كتبوا التاريخ ، منهم هذا الرجل الذي سنكتب عنه اليوم لنعيد ذاكرة التاريخ فهو أحد أعلامه في العصر الحديث في مجال التراث المصري،القليل فقط يعرفونه بأنه رمم مركب خوفو وفقط ، و بالكاد يذكرون اسمه أو يتذكرون اسمه
:الحاج أحمد يوسف
و كأن
الله وضع سراً في يديه ، وكأن الله حباه نفحة من اسمه المعظّم الباعث الحي ، بطلنا
ولد في وسط التاريخ، في مدينة التاريخ حول داره توزع الفن عمارة و زخرفاً ، قصصاً
و حكايات ، زخرفاً ملموساً و محسوسأ.. الدرب الأحمر الذي
أينما توجهت و أينما ساقتك قدماك ستدهش من كم الأثار و كان ذلك في 17 مايو سنة
1912 م.
تلقى
تعليماً أزهرياً ثم التحق بمدرسة الفنون و الصنائع في درب الجماميز، عمل مساعداً
لرائد النحث محمود مختار ثم تم تعينه مرمم في مصلحة الأثار سنة 1930م ووجد نفسه في
المتحف المصري.
عمره 18 سنة فتى يدعى أحمد يوسف لم يرحب به أحد من القائمين على المتحف المصري من الأجانب و خاصّة حين بدء التعليق بالسلب على طرق الترميم و كيفية تعامل الأجانب مع الأثر المصري ، قررت العصبة المهيمنة على المتحف أن هذا الفتى غير مرغوب في وجوده فهو مصري لا علم له كعلمنا ، و اتفقوا على فصله ،إلا إن أمين المتحف المصري قال لهم نريد أن يكون فصله مسبباً ، فأعطاه السيد السيد انجلباخ كتلة من الطين و قال له أحمد رمم هذه و قل كم يلزمك من الوقت ..تأملها أحمد و قال 4 أِشهر قهقه إنجلباخ و قال أنا أعطيك 20 سنة و أنت في إجازة بلا مرتب حتى تنهيها .. قال أحمد موافق و لكن بشرط إن أتممتها فسآخذ مرتبي كاملاً
ثلاث
أشهر قضاها عاكفاً كالناسك على القطعة في بيته حتى أتمها لتصبح صندوق خشبي مطعم
بالعاج و الأبنوس و ترجع لعصر الملك أخناتون .
بدأ
مشواره في المتحف المصري بعد أن تم تثبيته و الإعتراف به كمرمم متميز جداً ، فرمم تماثيل من الأحجار الصلدة و و أخرى من
الخشب و غيرها من نفائس المتحف المصري كالمجوهرات ، انتدب لترميم أيقونات في المتحف القبطي و عمل في
موقع الفسطاط الأثري حيث رمم و أشرف على نقل حوائط مطلية بالجص الملوّن لمتحف الفن
الإسلامي ، و أصبح اسمه يتردد كمرمم لا يعرف المستحيل ، فكما كان يقول كل شئ قابل
للترميم ، ثبت أقدامه و هو ما زال شابا يافعاً لكن موهبته المصقولة بالعلم و الصبر
لفتت الأنظار إليه .
الإستدعاء
الأول من الملك خوفو :
و كأن
اسمه وصل إلى الملك فأراد أن يختبره بنفسه.
تم الكشف عن بئر الملكة حتب حرس والدة الملك خوفو سنة 1925م بواسطة عمال الأثاري الشهير ريزنر و الذي كان يعمل في الموقع منذ فترة طويلة و التي كانت تحوي بعض الأثاث الجنزي للملكة الأم و كانت المعضلة الأكبر في القطع الخشبية مثل كرسي الملكة المحمول المزين بكتابات مصرية قديمة من الذهب و كذا سرير الملكة و أيضاً أساور من الفضة المطعمّة بالأحجار، و كانت القطع في حال يرثى لها ، حار ريزنر في كيفية ترميم هذه القطع و عرضها على أشهر المرممين الأجانب العاملين حينها في مصر و
متحف بوسطن و جامعة هارفارد و جميعهم أفادوا أنه لا أمل مطلقاً في ترميم هذه القطع
صورة توضح بعض ما وجد في بئر الملكة حتب حرس والدة الملك خوفو في هضبة الجيز
كان اسم أحمد يوسف الشاب بدء يتردد بين الأثاريين
استدعاه ريزنير بعد تزكية من أثاريين بأن هذا الشاب موهوب و مختلف فعرض عليه ريزر ما توصل إليه .
ريزنر
يصحب أحمد إلى البئر و يقول له أنه بعد سنين طالت من كشف البئر لايمكنه إخراج هذه
القطع الخشبية الملقاة على أرضية البئر لسوء حالتها و قدم له كشفاً بأسماء كل
المرممين الذين سبقت لهم زيارة المقبرة و إفادة منهم بأنه لا أمل في ترميم القطع ،
يطلب منه أحمد أن يدعه قليلاً من الوقت في البئر و يعتذر له أنه لا يعلم أي من هذه
الأسماء التي أفادت أنه لا يمكن الترميم ، يتركه ريزنر كما طلب في البئر.
خرج أحمد
من البئر بعد فترة من الزمن و بيده ورقات دون عليها بعض الملحوظات و رسومات و قال
لريزنر سأرممها ، صمت ريزنر و قال له كيف ستفعل متشككاً ! قال له أحمد سأتركك لمدة أسسبوعين وأؤكد
لك أني سأرممها إن وثقت بي أرسل لي رسالة و سأوافيك هنا .
نزل أحمد
من هضبة الجيزة إلى أحد ورش النجارة اشترى نشارة خشب و بعض الألواح الخشبية وورق
مذهب و عاد بها إلى منزله ، حيث حول إحدى الغرف إلى ورشة صغيرة وضع ملاحظاته
المدونة على ورقاته و عكف على صنع نموذج للأثاث الملكي صنعه من نشارة الخشب و
الألواح الخشبية الصغيرة و الورق المذهب و انتظر .
استدعاه
ريزنر بعد أسبوعين فذهب إليه بالنموذج ووسط دهشة ريزنر
مما رأى قال له كم راتبك في مصلحة الأثار قال 12 جنيهاً فقال له سأعطيك 50 ج على
أن تستقيل من المصلحة و تعمل معي في بعثة متحف بوسطن هنا حتى ننهي العمل ثم تسافر
معنا لأمريكا ، اعتذر أحمد و قال مكاني هنا في مصر أرمم الأثر في مصر.
كان الملك خوفو يرقبه، و كأن العقد كتب بينه و بين التاريخ، و كأن
الله قد أعلمه السر ومنحه نفحة من اسمه البديع .
أتم
المهمّة وسط دهشة الجميع و تم عرض قطع الأثاث الجنزي للملكة كاملة غير منقوصة في
المتحف المصري و أهدى مستنسخ صنعه لسرير الملكة لمتحف بوسطن و الذي أرسل له جواب
شكر بتاريخ 12 اكتوبر 1939م كان عمر أحمد 27 سنة.
الصورتان التاليتان لأثاث الملكة حتب حرس بعد الترميم على يد أحمد يوسف و معروضاتان في المتحف المصري ،و يوجد مستنسخ من السرير الملكي في متحف بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية .
ابتسم خوفو و رضي و لذا سيستدعيه مرة أخرى
رحلة
العطاء :
تتوالى البعثات و تبوح الأرض بخزائنها و يكون أحمد هو الشاب المبدع خلف العديد من الأثار سواء في غرب مدينة الأقصر التي أمضى فيها ما يقرب من 20 سنة يرمم مقابرها كل مقبرة تدرس على حدا و يبتكر طرق لترميمها ، يمضي فيها الليالي يدرسها و يدون ملحوظاته و يضع خطته للحفاظ على الأثر ، فكل شئ قابل للترميم ، لامستحيل هنا و لابد من طريقة ما تبتكر ليحيا الأثر و ليبقى الأثر .
في أثناء زياراته المتعددة إلى الأقصر لم يكتف بعمله كمرمم بل لفت انتباهه فناني الفطرة الذين ينحتون التماثيل من الأحجار لبيعها للسائحين، تقرب منهم و راقب عملهم و اكتسب ثقتهم واستطاع أن يعرف منهم أسماء بعض منهم الذي اتخد من تزييف الأثار مهنة تدر عليه ربحاً كبيراً ، فكتب بحثاً هاماً عن طريقة تزييف الأثار من خلال معايشته لهم وقدم بحثه للمسؤولين ( بحث غير منشور ولايعلم مصيره في المجلس الأعلى للأثار)
يسافر
أحمد أيضاً إلى الواحات الخارجة و الداخلة ليعمل في الترميم ( موقع دوش و البلاط )
و كأن اثار مصر استأمنته على التاريخ و
كأنه الجراح الذي تثق به وهو المداوي لجراح الزمان و هو الذي يمحو عنها ما فعلته
بها السنون و يبقى الأثر حياً حاملاً اسم أحمد غير المكتوب على الجدران ، و لكن
يوماً ما سينطق اسمه ليحيا هو أيضاً فمثله لا يمكن أن ينسى .
الاستدعاء
الثاني :
في سنة 1954 يتم
الكشف عن حفرة مركب خوفو على يد الأثاري محمد زكي نور و ليس كما يشاع كمال الملاخ فقد
كان الأخير يعمل مهندساً في الموقع الأثري و مراسلاً بالقطعة لنيويورك تايمز وأعلن الكشف باسمه هو ولم يذكر
اسم المكتشف الحقيقي والذي ستوافيه المنية بعد أشهر من الكشف.
تكون الفريق المسؤول
عن الكشف من : الأستاذ محمد زكي نور ، دكتور زكي اسكندر ، محمد صلاح عثمان و أحمد
يوسف.
بعد أن تمت إزالة
كامل الرديم و رفع الأحجار الكلسية التي تغطي حفرة المركب بدء دور الحاج أحمد يوسف
.
قبل أن نسرد ما فعله
الحاج أحمد يوسف الذي سيتولى الجزء الأهم والأخطر في هذا الكشف ألا وهو الترميم و
التركيب ليحيا الأثر و ليبقى الأثر ، سنعرض بإيجاز الأجواء المحيطة بالكشف.
تم تسييس الكشف و كان هناك الكثير من الضغوط
سواء السياسية و الإعلامية لإبراز هذا الكشف فلكل زمان رجاله و بعض الرجال يتطلعون
دائماً للشهرة و إرضاء الحاكم تقرباً أو تملقاً ، كما أن للمناصب شهوة و للكرسي
السطوة ، و هذا كان له تبعات على كل من
يعمل سواءً بالسلب أو الإيجاب ،مثال على ذلك هو سرعة إطلاق بيان من هيئة الأثار في
أقل من شهر توصف فيه الكشف وتسميه بمركب الشمس مستبقين أي من الدراسات العلمية وأعمال
الترميم !
أحمد يوسف نأى بنفسه تماماً عن كل ما يحدث حوله هو الآن
أمام مهمّة تاريخية و بين يديه كنز مكتشف حديثاً، دوره هو العمل في صمت كما اعتاد
بلا صخب و لا ضوضاء ، أِشرف على نقل القطع الخشبية و كل ما كان بالحفرة ، درس
الحفرة جيداً ، دون ملاحظاته ، لا ينبغي أن يفوته شئ حتى ما كان مكتوباً على جوانب
الحفرة بيد المصري القديم... ابتعد عن الأضواء هذا ليس وقت الشهرة هذا وقت العمل .
و كان الملك خوفو
يرقبه.
الحاج أحمد الآن في
العقد الخامس من عمره واثقاً من نفسه و خبرته ولكن ليس لحد أنا يغامر بتجارب غير
محسوبة ، بهدوئه المعهود وصرامته المعروفة شكل فريقه وبدء رحلته مع الترميم كان يعامل كل قطعة من
الخشب على حدا دارسةً و فحصاً ، بيده قلمه يكتب و يدون ملحوظاته يعطي تعليماته
التي يجب أن تنفذ حرفياً و بمنتهى الدقة لا مجال للتهاون و لا مجال للخطأ ، من شدة حرصه
يحكي هو أنه عتّف أحد مساعديه أنه كان يحمل قطعتين من الخشب لا يزيد طول الواحدة
منها عن بضع سنتيميترات فراجعه مساعده أنهما خفيفتا الحمل ! قال عقلك لا ينشغل
بشيئين احمل كل قطعة لوحدها فيكون كل عقلك
مركز على شئ واحد ، فهذه ليست قطعة خشبية عادية أنت تحمل كنزاً لا يعوض.
كان الحاج أحمد يتجنب
أن يستستهل استبدال أي جزء من الخشب إلا لو كان تالف تماماً و يجرب مرات لا تعد
حتى يصل إلى أنه يجب أن يستخدم قطعة جديدة على الأصل ، فكان يذهب لمخازن الأثار في
القلعة حيث يوجد جزء لتخزين أخشاب قديمة ترجع لعصور قديمة ومنها ما سيبقى قابعاً
هناك إلى أبد الدهر بلا ترميم ، ينتقي منها الأنسب حتى لو كانت القطعة في حجم
العملة المعدنية .
تم بناء مقر بجوار
حفرة المركب لتصبح المعمل الذي سيعمل به الحاج أحمد على ترقيم قطع المركب وترميمها
، و تم بناء استراحة متواضعة بجوار الطريق الصاعد للهرم الثاني ليقيم به الحاج
أحمد ، يستشعر الحاج أنه لابد أن يتعلم صناعة المراكب فيذهب ليصبح تلميذاً تحت
أيادي مشايخ الصنعة على النيل في القاهرة و على البحر في الإسكندرية،
يتعلم منهم كيف يصنعون مراكبهم الخشبية يسمع منهم حكايات الأسطوات القدامى فكل
كلمة هي معلومة ، يجرب بيديه نشر الخشب ، تجميع الخشب ، ربط الخشب يقابل بالثناء
على عمله أحياناً و بالتعنيف أحياناً أخرى هو تلميذ لا يتكبر أبداً على التعلم ، وتتم إجازته على يدي مشايخ الصنعة التي كانت
تلفظ أنفاسها الأخيرة و ربما كان الحاج أحمد آخر من يحمل السر ، آخر من أؤتمن على
السر.
لم يكتف الحاج أحمد
بهذا بل كان يقضي الأيام الطوال في دراسة كل مناظر الصيد و الإبحار على جدران
مقابر سقارة، و يدون ملاحظاته ، يتمعن في جداريات تصور صناعة المراكب خاصة في
مقبرة تي في سقارة ، يرسم المنظر و الأدوات ثم يعود إلى استراحته في الهضبة
محاولاً تصنيع نفس الأدوات كالمصري القديم.
يجلس في ركن ما
محاولاً صنع نماذج من المراكب التي رآها مستعيناً بما درسه و سمعه على ضفاف النيل
من المراكبية ، و إذا استشكل عليه أمر كان يسلي نفسه بلعبته المفضلة ( البازل) و هي أحجية مكونة من قكع صغيرة من الخشب أو الفسيفساء عند تركيبها تشكل منظراً هندسياً أو فنياً ، أو يرتحل لضفة النهر أو البحر يجلس بين يدي مشايخ الصنعة و يتناقشون في كيفية تركيب القطعة.
أذن له الملك بالخلد :
رضي خوفو أن يخلّد اسم أحمد يوسف مصطفى .
أكثر من 10 سنوات مرت و هو يعمل في
صمت متعرضاً لكافة الضغوطات السياسية والعملية من رؤسائه كل منهم يريد إنجازاً ما
للحفاظ على المناصب و تغذية الروح الوطنية
، يقاوم هو بالصمت و العمل ، أخيراً تمت المحاولة الأولى للتركيب سنة 1968م ولم يرضى عنها ، بعد كل هذا الجهد لا
يرضى عنها فيأمر بتفكيكها ليبدأ من جديد ،
بعد أربع محاولات ظن أنه اقترب ، حينها كان بدء العمل في المتحف الذي ستعرض فيه
المركب فوق الحفرة التي تم اكتشافها فيه ، نقلت المركب مفككة إلى داخل المبنى ليتم
التركيب الخامس و الأخير في أواخر السبعينيات من القرن ال20و الذي قال عنه الحاج
أحمد إنه الأقرب للصواب! و تم افتتاح المتحف رسمياً في سنة 1982م.
هذه المرة كانت الإجازة من الصانع المصري القديم لمرمم الأثر المصري في
العصر الحديث أباحوا له بالسر فكان المركب ، هذا هو الإنجاز و مفتاحه الإخلاص ،
طال الزمان أو قصر سيأتي يوماً من يبوح بالسر لشخص يؤتمن على السر.
الحاج أحمد لم يكن فقط مرمماً بل كان صاحب رؤيا ورأي فلم يقبل أبداً بما
صرح به المهندس و الصحفي كمال الملاخ ومن حذا حذوه بأن هذه المركب مركب شمس لخدمة الملك في العالم
الآخر، بل مما درسه دراسة متأنية علمية توثيقية أثناء ترميمه أن هذه المركب كان
مركب تقطر بمراكب أخرى صغيرة و قد أبحرت
في الماء ولا علاقة لها إطلاقا بالعالم الآخر ومفهومه لدى المصري القديم .
كما أن الحاج أحمد أيضاً لم يكن راضياً عن تصميم المتحف وكان متخوفاً من
شدة الإضاءة داخله و تأثيرها على المدى البعيد، فكان يرى أننا لو كنا على صواب في
التأريخ لعمر المركب فنحن نتحدث عن قطعة فريدة عمرها يقارب ال4500 سنة ، حفظها لنا
الأجداد و يجب أن نحافظ عليها لأجيال قادمة و إلا لم الترميم؟
انتهى الحاج أحمد من مهمته الأكبر بعد مشوار حافل بالعمل خلف الأضواء، وبلا
صخب ، ترك لنا ما يحدثنا عنه محفوظاً بعناية ، موثقاً بكتابات ورسومات حمّلنا
الأمانة و حفظ لنا السر.
حين تنظر في عين الشمس لا ترى الظل ، قبع هو في الظل لينير الأثر.
عاد إلى بيته في شارع سوق السلاح و بعدها بسنوات تحديداً في سنة 1987 تم
استدعاؤه ليقول رأيه في المركب الثاني الذي أدخلوا له كاميرات حديثة لتصويره في
الحفرة و قد أفاد برأيه حينها أنها مركب مهمتها هو قطر المركب الأولى .
أصبح منزله في الدرب الأحمر مزاراً لكل باحث ومتخصص في المراكب الأثرية و
لم يبخل على أحد بمعلومة.
تكريمات :
تم منح أحمد يوسف سنة 1946 الميدالية الذهبية للمعرض الزراعي بالقاهرة
لتصميمه نماذج رائعة عن الصناعات الدقيقة في مصر القديمة.
حصل الحاج أحمد سنة 1967 على وسام العلوم و الفنون ومبدالية المعهد الفرنسي
للآثار الشرقية تكريماً لأعماله و جهوده في حفائر موقع البلاط و دوش و كرم ثانية
سنة 1981 .
في سنة 1982 تم تكريمه من الحكومة المصرية و إهداؤه وسام الجمهورية من
الدرجة الثانية لترميم مركب خوفو.
اهداءاته ووصيته:
أهدى الحاج أحمد يوسف جزء من مكتبته لأحد جامعات ألمانيا و أوصى أن يتم حفظ
أرشيفه كاملاً في للمجلس الأعلى للأثار و تم تشكيل لجنة في ابريل سنة 1999 من مركز
تسجيل الأثار المصرية لحصر و استلام ارشيفه و تم ايداعه بالمجلس الأعلى للأثار .
توفي الحاج أحمد يوسف مصطفى في 2 فبراير سنة 1999م عن عمر يناهز 87 سنة
قضاها حوالي 70 سنة مرمماً للأثار المصرية .
رحم الله الحاج أحمد يوسف
كم في مصر من رجال خدموها في الظل .
و نحن نكتب عن الراحل الحاج أحمد يوسف كانت مركب خوفو تنقل من مقرها الأصلي
في هضبة الجيزة وسط تهليلات إعلامية لوضعها في متحف تحت الإنشاء يشغل حيزاً من
المتحف الكبير، ما حدث هو مخالف لكل المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر و التي
تنص عن الأثر يجب أن يكون في مكانه ما لم تهدده اخطار كالزلازل و البراكين.
يحوي هذا الصندوق المركب بعد نقلها إلى متحف ما زال تحت الإنشاء.
اعتبر القائمون على أمر التراث أن نقل مركب خوفو في يومين مسافة 10 كم من
هضبة الجيزة إلى المتحف الكبير هو إنجاز عالمي! و لا أعلم إن كان هذا انجازاً
فماذا نسمي ما فعله الحاج أحمد يوسف إذن ، لقد أمضى الرجل ما يزيد عن 20 سنة في
ترميم و تركيب المركب!!
راقبنا عن كثب كل ما كتب في وسائل الإعلام عن المركب فكان أغلبها غثاءً و
به كم هائل من المعلومات المغلوطة إلا القليل جداً من لقاءات صحفية مع علماء أثار
ذكروا بعض الحقائق .
لم يتمكن أي أثري من تفكيك المركب فنقلت كتلة واحدة ، فلا أحد غيره قادر
على التفكيك و التركيب ، مع أنه كتب كل ملاحظاته و ترك لنا أرشيفاً محفوظاً في مصر
!
من الواضح أن لا أحد يقرأ التاريخ أو يعتبر من حوادث التاريخ فلذا سيكرر
الإنسان نفس الخطأ و هذا ما اتضح مما يحدث في التراث المصري.
يتصدر المشهد أسماء لن يتذكرها أحد ، و سيبقى الجادون دائماً في الظل حتى
يأتي يوماً ما قريباً كان أو بعيداً ليسلط الضوء على هذه الفترة الزمنية فالتاريخ
لا ينسى، ينسى الإنسان أن يقرأ .
رحم الله الحاج أحمد يوسف مصطفى رجل من عالم النسيان .
شكر واجب :
مركز والي للحفاظ على العمارة و التراث.
دكتور زياد مرسي.
المصادر :
The
royal ship of Cheops. Paul Lipke.
The
boat beneath the pyramids. Nancy Jenkins.
كمال و يوسف أثريان من الزمن الجميل – لؤي محمود سعيد.
https://archive.aramcoworld.com/issue/198001/the.smell.of.time.htm
https://akhbarak.net/news/20110177/articles/36770208/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%8A-65-%D9%84%D8%A7%D9%83%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D9%81%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%81
تعريف بريبجنلاند إنبلاخ الرجل الذي كان أميناً للمتحف المصري
https://en.wikipedia.org/wiki/Reginald_Engelbach
https://elnile24.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8A/
جميع الصور المستخدمة في هذا المقال مصدرها من الكتب الثلاث الأولى التي اعتمدنا عليها بشكل رئيس في اخراج هذا العمل و قد قام بمعالجتها المتطوع : زين محمد خضر