الخميس، 12 أغسطس 2021

قصر الأميرة سميحة حسين كامل



 قصر الأميرة سميحة حسين كامل 

سمو الأميرة سميحة بنت السلطان حسين كامل بن الخديو اسماعيل بن الوالي إبراهيم بن الوالي محمد علي باشا.


 


 والدتها هي ملك طوران صاحبة القصر الشهير في ضاحية مصر الجديدة 

 


 توفيت الأميرة في قصرها بالزمالك سنة 1984

كتب عنها في جريدة أبو الهول المهندس طارق بدراوي مقالاً هاماً يعتبر هو الأكثر دقة ،ويتناول في هذا المقال جزءً مهماً من حياة الأميرة واهتمامها بالفن التشكيلي ورعياتها له مما حداها أن تطلب في وصية أن يصبح القصر مكاناً لرعاية الثقافة و الفنون،فأصبح مكتبة القاهرة الكبرى .

المقال منقول حرفياً من جؤدة أبو الهول يتبعه بعض الصور الحديثة من تصوير سالي سليمان.

بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

الأميرة سميحة حسين كامل هي الإبنة الثانية للسلطان حسين كامل الذي حكم مصر لفترة قصيرة لم تكمل 3 سنوات في الفترة من شهر ديسمبر عام 1914م حتي شهر أكتوبر عام 1917م من زوجته الثانية التي عرفت بإسم السلطانة ملك التي أنجب منها 3 إناث هن قدرية وسميحة وبديعة وهي أيضا إبنة عام الملك فاروق آخر ملوك مصر وكانت من أقرب وأعز الصديقات لزوجته الأولي الملكة فريدة والتي كانت تزورها كثيرا بقصرها بحي الزمالك وكان يجمع بينهما حبهما للرسم والتصوير وللفن عموما ولها أيضا شقيقان وشقيقتان من أم أخرى هم الأميران كمال الدين حسين وأحمد كاظم والأميرتان كاظمة وكاملة وأمهم هي الأميرة عين الحياة إبنة الأمير أحمد رفعت باشا الإبن الأكبر للقائد إبراهيم باشا إين محمد علي باشا .


ولدت الأميرة سميحة حسين كامل في يوم 17 يوليو عام 1889م وعرف عنها حبها للفنون ولذلك فقد حولت قصرها إلى ما يشبه الصالون الأدبي والفني وكثيرا ما كانت تقيم به الحفلات الغنائية لأشهر المطربين مثل محمد عبد الوهاب بالإضافة إلى الصالونات الأدبية لأشهر أدباء وشعراء ذلك العصر علاوة علي أن حفلات الموسيقى ومهرجانات التنكر المعروفة وقتها كانت لا تنقطع عن هذا القصر كان منها حفل شهير حضره كل أفراد عائلة محمد علي باشا وهناك صورة شهيرة لهذا الحفل يقف فيها الملك فاروق مرتديا زيا بدويا وإلى جواره الملكة فريدة في ملابس فتيات الغجر بوسط أوروبا وفضلا عن ذلك فقد تعلمت الأميرة سميحة حسين كامل فنون النحت والرسم والتصوير على أيدي أشهر الفنانين الإيطاليين وقد أمضت الأميرة سميحة حسين كامل نحو 75 عاما فى ممارسة الفن نحتا وتصويرا زيتيا وفوتوغرافيا وإنحازت من خلالها للتراث المصرى الخالص لكن أعمالها ظلت مغمورة حتى بعد مضى نحو 35 عاما على وفاتها ولم تتواتر عنها الأحاديث بشكل يوفيها حقها كونها فنانة مهمة بل ظلت مجهولة حتى على صفحات أهم مصادر التوثيق للفن الحديث وحديثا وبالتحديد خلال عام 2019م تم إعادة إكتشاف الأميرة الفنانة سميحة حسين للجمهور وتقديم أعمالها النحتية والتصويرية التى تم التوصل إلى بعضها عبر تتبع الوثائق التاريخية وفى هذا الصدد تم عقد مؤتمر صحفى نظمته إحدى مؤسسات الدولة للكشف عن أعمالها الفنية وأعمال إبن عمها الأمير محمد على توفيق إبن الخديوى توفيق الذى كان معروفا عنه حبه للترحال وللفنون وجدير بالذكر أن هناك مجموعة من المجوهرات الخاصة بالأميرتين سميحة وقدرية حسين كامل إبنتي السلطان حسين كامل معروضة ضمن معروضات متحف المجوهرات الملكية بحي زيزينيا بمدينة الإسكندرية وهي تشمل مجموعة نادرة من ساعات الجيب المصنوعة من الذهب المرصع بالماس البرلنت والفلمنك وسوار من الذهب مرصع بالماس البرلنت والفلمنك واللؤلؤ .

وبحسب الدكتور ياسر منجى عضو المجلس الدولى للمتاحف إن الأميرة سميحة حسين كامل قد نشأت فى قصر السلطان حسين المواجه لقصر البارون إمبان الشهير مولعة بالرسم والتصوير وصناعة التماثيل بل وإقتناء نسخ أصلية لتماثيل نحتها نحاتون إيطاليون وفرنسيون منذ نعومة أظافرها لذا أرسلتها والدتها السلطانة ملك لدراسة التصوير بمعهد البوزار بباريس ثم إلى إيطاليا لتتعلم النحت مضيفا أن هذه الأميرة الفنانة كانت محبة للتراث الفرعونى فجاءت مشاركتها فى أولى المعارض المصرية التى ضمت فنانين مصريين وأجانب بمنحوتات برونزية صغيرة لراقصات فرعونيات وإلى جانب النحت كانت محبة للرسم الزيتى والتصوير الفوتوغرافى وعكست صورها حبها للتراث القبلى ففى عام 1937م وثقت للحياة القبلية فى مصر بصورة أحد الرعاة بقبيلة أبو قير وقد تولت الأميرة الفنانة أيضا نحت أعمال تذكارية وتماثيل نصفية لتوثيق تاريخ معظم أفراد الأسرة العلوية التى تنتمى لها كان أشهرها تمثال لجدها الكبير مؤسس الأسرة العلوية محمد على باشا وآخر لجدها الخديوى إسماعيل ووالدها السلطان حسين ثم لعمها الملك فؤاد والذى أهدته تمثالا بعد توليه العرش لإعجابه بفنها وبحسب الوثائق نحتت الفنانة سميحة حسين التمثال من الجبس عام 1933م ودخلت به مسابقة معرض صالون القاهرة وهو أول معرض جماعى فى مصر وفازت بجائزة المعرض وفى عام 1935م إقتناه الملك فؤاد ثم أرسله ليصب بالبرونز فى باريس عام 1937م وهو موجود الآن بمتحف قصر عابدين وموثق عليه إسمها وبحسب الدكتور منجى مرة آخرى فإن الأميرة الفنانة كان لها دور كبير فى تأسيس المعارض وتنظيمها وشاركت بأعمالها فى أوائل المعارض الفنية الكبرى التى عرفها الفن المصرى الحديث وعرضت أعمالها جنبا إلى جنب بجوار أعمال رواد الفن المصرى فنجدها قد شاركت في تنظيم معرضين فى عام 1921م ثم فى عام 1922م وعلاوة علي ذلك فقد كان لها دور ملموس في تأسيس الجمعية المصرية للفنون الجميلة .


إشتهرت الأميرة سميحة حسين كامل بقصرها الذى كان قد أنشأه تاجر الغلال المليونير اليهودي القطاوى باشا في أوائل القرن العشرين الماضي وتحديدا في عام 1902م في أحضان نيل مصر وبالتحديد في جزيرة الزمالك أرقى أحياء القاهرة وأكبر جزر نهر النيل ثم إشترته منه الأميرة سميحة حسين كامل في يوم 7 فبراير عام 1942م يمبلغ 12250 جنيه مصري وهو مبلغ كبير بمقاييس تلك الفترة وقامت بعمل بعض التعديلات والإضافات عليه بحيث جعلته من أفخم القصور وأهمها من الناحية التاريخية وهو محاط بسور حديدى بواباته مزخرفة بنقوش فريدة ويعلوه برج شامخ يشبه أبراج الحصون والقلاع الحربية القديمة حيث تتعانق طرز العمارة الإسلامية المختلفة المملوكية والفاطمية والمغربية والأندلسية والعثمانية في مشهد فني شديد التميز والجمال وأصبح هذا القصر جامعا لعناصر الفنون المختلفة خاصة الإسلامية منها في تناغم وتناسق معمارى فريد ونادر وقد ظلت الأميرة سميحة حسين كامل تشغل القصر هي وزوجها الفنان وحيد يسري باشا ولقد شاء القدر ألا ينجبا أطفالا ومن ثم عاشت وحيدة بهذا القصر الشاسع حتى بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م ورفضت الأميرة أن تغادر القاهرة كباقى أفراد العائلة العلوية بل ظلت تحيا فى كنف قصرها رغم قسوة الأيام عليها فى نهاية حياتها إلى أن توفيت عام 1984م عن عمر يناهز 95 عاما وكانت الأميرة سميحة حسين كامل قد أوصت بأن يستخدم القصر بعد وفاتها للأغراض الثقافية والفنية وأن يستغل فيما يخدم الثقافة والعلم والفن في مصر حيث أنها كانت تعد من مثقفي وفناني عصرها وكانت تعشق الثقافة والفن كما ذكرنا في السطور السابقة كما أنها كانت تكتب الشعر باللغات العربية والفرنسية والتركية وبالفعل تم تنفيذ وصيتها وتحول القصر الآن إلى مكتبة القاهرة الكبرى التي إفتتحت في يوم 24 يناير عام 1995م كواحدة من أكبر المكتبات العامة في مصر بعدما كاد أن يتحول القصر الى قسم للشرطة يتبع وزارة الداخلية لولا أن تبني الصحفي والكاتب المعروف الأستاذ كامل زهيرى فكرة تحويل هذا القصر إلي مكتبة عامة تخدم القاهرة وضواحيها وأن يطلق عليها إسم مكتبة القاهرة الكبرى وبالفعل قام بعرض تلك الفكرة علي المسئولين بوزارة الثقافة وعلي رأسهم وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني ونالت هذه الفكرة الإستحسان والموافقة وبدأ العمل في تحويل القصر إلي مكتبة في شهر سبتمبر عام 1992م وبالفعل في التاريخ الذى ذكرناه في السطور السابقة كانت هذه الفكرة قد تم تحقيقها وخرجت إلي النور وتم إفتتاح مكتبة القاهرة الكبري لرواد الثقافة والعلم والفن من مختلف أنحاء مصر والعالم .


وعن شخصية الأميرة سميحة حسين كامل فنجدها قد إنعكس ولعها بالفن على ملامح قصرها فإنفرد عن باقي قصور القاهرة التاريخية بتصميمه المعماري الرائع والمتميز حيث بني على الطراز الإسلامي الحديث المقتبس من المدارس الإسلامية المملوكية وشاعت فيه أيضا الروح الأندلسية والمغربية كما بدت في زخرفة مبانيه روح الطراز العثماني وفنون عصر النهضة الأوروبي ونماذج لطرز العمارة الرومانية والإغريقية وبذلك أصبح القصر مدرسة فنية جامعة لعناصر الفنون المختلفة وللقصر أربع واجهات ولعل أهم ما يلفت النظر اليها ذلك البرج الدائري الذي يرتفع أعلى الواجهات ويقع بالركن الجنوبي للقصر ويحتوي على مجموعة من النوافذ تغطي محيطه الخارجي من أسفل لأعلي ويعلوها في النهاية عقود مدببة ومزخرفة بزخارف هندسية وتعد هذه الواجهات نموذجا تطبيقيا لدارسي العمارة والفنون الإسلامية وذلك لما تحويه من عناصر معمارية وفنية إسلامية الطراز بحيث نجد هذه المجموعة من النوافذ التي تنتهي بعقود مدببة محمولة على أعمدة مدمجة في الحوائط إلى جانب شرفات بدرابزين على هيئة مجموعة من الأعمدة ذات العقود وهي بذلك تماثل أشكال البوائك داخل المدارس والمساجد الإسلامية بينما تنتهي واجهات القصر الخلفية من أعلى بعنصر معماري إنتشر في العمائر المملوكية وهو عنصر الشرفات التي على هيئة ورقة نباتية ثلاثية أما من حيث الزخرفة فقد زخرفت جميع جدران الواجهات الخارجية بنوع من الزخارف الإسلامية ذات الأصول الفارسية والتي إنتشرت في مصر خلال العصرين المملوكي والعثماني ونجدها بكثرة على المشغولات المعدنية المنتشرة في آثار هذين العصرين كشبابيك الأسبلة وهذه الزخرفة تبدأ بصف من الأعمدة الرشيقة الصغيرة تحمل فوقها عقود ذات فصوص يعلو بعضها البعض بشكل متكرر وتكون هذه العقود فيما بينها ما يسمى في الفن الإسلامي بأشكال النجاريات وهي أشكال بيضاوية مفصصة إستخدمها الفنان المسلم في زخرفة جلود المصاحف والكتب الإيرانية والمملوكية وعلى القباب في العصر العثماني ونجدها في قصر الأميرة سميحة حسين كامل وقد نفذت من الجص كما نفذت زخرفة أخرى من الجص أسفل النوافذ على هيئة أشكال دائرية من خمس دوائر أكبرها أوسطها وهذا النوع من الزخرفة طالما إنتشر كثيرا في العمائر العثمانية .


ويتكون هذا القصر من ثلاثة طوابق وبدروم تحت الأرض يحيط به سور حديدى كما ذكرنا في السطور السابقة بديع الشكل زخرفت بوابته الرئيسية بثلاثة عقود مفصصة بإطار مدبب ذات طابع أندلسي يعلوها عمودان من الحديد ينتهيان بمصابيح حديدية كانت تستخدم لإضاءة البوابة ليلا وتؤدى البوابة الرئيسية إلي سلم رخام يتم من خلاله الصعود إلى مدخل القصر الذى توجد به صالة هي بهو القصر ويوجد بها بوائك ثلاث تكون ثلاثة أضلاع لمربع وهي تذكرنا ببوائك مسجد قرطبة في الأندلس وهي بوائك أندلسية الطراز عبارة عن أعمدة من الرخام الفخم الوردي المنتهية بتيجان مقرنصة تعلوها عقود مفصصة بإطار مدبب وقد زخرفت بواطن العقود وتيجان الأعمدة بزخارف نباتية مطلية بماء الذهب أما حوائط البهو فهي غنية بزخارفها الجصية ذات الطراز الأندلسي وهي زخرفة شهيرة عرفت بزخرفة الكف الأندلسية جاءت رمزا لمقولة أن المسلم يده في يد أخيه وهي زخرفة هندسية تجريدية على هيئة المعين وقد كست هذه الزخرفة جميع جدران البهو وحول هذه الزخارف توجد أشكال معدنية مذهبة على الحوائط وهي على شكل رؤوس المسامير التي كانت توضع على أبواب المدارس المملوكية المصفحة لتثبيت الشرائح المعدنية أما سقف البهو فقد قسم إلى مناطق مربعة ومستطيلة ملئت جميعها بزخارف هندسية ونباتية جميلة ومذهبة ذات طابع إسلامي ويفتح البهو على مجموعة من الحجرات التي كانت معدة للإستقبال يتقدمها بالجانب الأيمن حجرة المصلى وقد صممت وكأنها أحد المساجد المملوكية حيث فرشت أرضها بالرخام الأبلق الأسود والأبيض ووضع بأحد أركانها محراب له عمودان من الرخام الأبلق الفاخر وذلك لتحديد إتجاه القبلة أما حوائط الغرفة فمكسوة بالرخام الأبلق والمشهر الأصفر والبني أما السقف فقد نفذ وكأنك داخل أحد المساجد الجركسية فهو عبارة عن براطيم خشبية أى عروق خشب مزخرفة بأشكال نجمية ونباتية ملونة باللون الأحمر والأصفر والأبيض والأصفر ويرتكز هذا السقف على إفريز خشبي عليه نقوش كتابية كوفية بصيغة البركة الكاملة والنعمة الشاملة كما توجد حجرة أخرى من حجرات الطابق الأول وهي حجرة الإستقبال وأهم ما يميزها سقفها الفريد الذي مازال يحتفظ بألوانه الأصلية ذات الطراز العثماني والمزخرف بمجموعة من الورود والزهور والأوراق النباتية العثمانية كما تنفرد أبواب هذه الحجرة عن باقي أبواب القصر بألوانها الصافية وما يوجد بها من نحت بارز على هيئة مجموعة من الورود والأوراق النباتية .
ويعتبر صالون كبار الزوار هو تحفة القصر وهو يوجد بجوار حجرة الإستقبال ولعل ما يستدعي النظر في هذا الصالون هو طراز عمارته المتأثر بالعمارة والفن الروماني حيث نجد به عمودين يتميزان بالضخامة يعلوهما تيجان أيونية أما نوافذه فهي معقودة بعقود نصف دائرية والحوائط عبارة عن بانوهات كبيرة بسيطة مزخرفة بأوراق نباتية وزهور صغيرة وبالجانب الجنوبي من البهو يوجد سلم ضخم بدرابزين مصنوع من الرخام الفاخر باللونين الأبيض والوردي وعند صعودك درجاته ستجد أمامك ثلاث نوافذ كبيرة تنتهي بعقود مدببة محمولة على أعمدة كبيرة ضخمة ذات طراز إسلامي وهذه العقود من أعلى تحمل قبة كبيرة أنيقة تغطي بئر السلم وقد زخرفت القبة من الداخل بزخارف إسلامية وهي أشكال نجمية وهندسية وأرابيسك وخطوط متقاطعة تكون فيما بينها أشكال مستطيلات ومربعات بما يسمى في الفن الإسلامي زخرفة الجفت اللاعب وهذا السلم الرخامي يتفرع إلى طرفين بشكل دائري ثم يلتقيان في بسطة ومنها إلى صالة بالطابق الثاني مستطيلة الشكل بها أربعة أعمدة كبيرة بتيجان عبارة عن كورنيش من أوراق نبات الأكانتس وهي ذات طراز إغريقي وتفتح هذه الصالة على سبع حجرات منها حجرة تأخذ الشكل الدائري بأحد أركانها دعائم حجرية مستطيلة تعلوها عقود مدببة مكونة من بوائك تشبه بوائك جامع الحاكم بأمر الله الفاطمي بالقاهرة أما سقف هذه الحجرة فيأخذ شكلا بيضاويا محلى بزخارف نباتية جصية داخل دوائر ومزهريات وورود وأوراق نبات الأكانتس وكلها من الجص الأبيض وأسفل هذا السقف وأعلى حوائط الحجرة يوجد شريط عريض مزخرف بمجموعة كبيرة من النحت البارز لتماثيل آدمية لسيدات في أوضاع مختلفة وهي من الجص وترمز لآلهة الأساطير الإغريقية مثل دافني وأوروبا وفينوس وهي تخرج من المحارة وغيرها أما أرضيات الحجرات السبع فهي من الخشب الباركيه والأبواب جميعها من الخشب المزخرف بالطراز العثماني المسمى بالمعقلي .


وإذا ما صعدنا إلي الطابق الثالث عن طريق سلم جانبي يبدأ من الدور الثاني فسيؤدى بنا السلم الى عدة قاعات ولكن أميزها القاعة الدائرية وهي برج القصر والتي كان يشغلها مرسم الأميرة سميحة حسين كامل وبها نوافذ من الجص المعشق بالزجاج الملون وتشابه تلك النوافذ التي شاعت في مساجد وعمائر العصر العثماني بالقاهرة وهذه القاعة الدائرية تعلو بئر السلم الرخامي للقصر وتبدو من بعيد كأحد أبراج القلاع الحربية التي تميزت بها العمارة الحربية في العصور الوسطى خاصة العمارة الحربية المغربية والأندليسية وهو ما يضفى على هذا القصر طابعا أسطوريا خلابا يجعل عبقه لا يغادرك بسهولة ويجعلك دائما تتوق لزيارته مرات ومرات وأخيرا فبخصوص البدروم فقد كان مخصصا لإقامة الخدم وبه مطبخ كبير ومغسلة وعدد من المخازن وجدير بالذكر أن الأميرة سميحة حسين كامل نظرا لكونها كانتت مولعة بالرسم والفنون الجميلة فلذلك حرصت علي أن تجعل من قصرها تحفة فنية نادرة حيث أشرفت بنفسها علي تنفيذ جميع الزخارف الهندسية والرسومات النباتية علي واجهات القصر وعلي جدرانه وأسقفه الداخلية‏ ‏هذا وقد تم تسجيل هذا القصر في عداد الآثار الإسلامية بالقرار رقم 185 لسنة 2001م .


وبخصوص مكتبة القاهرة الكبرى التي تشغل القصر حاليا فمنذ إفتتاحها في عام 1995م أصبحت أكبر مكتبة عامة فى القاهرة بعد دار الكتب ومن أبرز مراكز الإشعاع الثقافى والحضارى التى أنشاتها وزارة الثقافة المصرية حيث تضم بالإضافة إلي العدد الضخم من الكتب والمجلدات التراثية المختلفة والمعاجم الشهيرة والمؤلفات الأكاديمية العديد من القاعات المختلفة للفنون والخرائط وعلاوة علي ذلك تضم المكتبة أرشيفا كاملا من الميكروفيلم والميكروفيش يضم جميع أعداد جريدة الأهرام منذ صدور العدد الأول في يوم 5 أغسطس عام 1876م بمدينة الإسكندرية وكذلك جميع أعداد مجلة دار الهلال وكتاب الهلال ومجلة المصور وكذلك كتب التراث مثل كتاب وصف مصر الذي أعده علماء الحملة الفرنسية على مصر وخطط المقريزي والخطط التوفيقية وكل تاريخ مصر بكل عصوره كما تضم المكتبة وصف وتناول كامل لكل مدينة وكل قرية وكل حارة وكل زقاق في مصر وكل الأماكن والأنشطة وحتى الأشجار التي لها تاريخ في مصر وتنظم المكتبة سنويا مسابقة بين الباحثين عن أحياء وشوارع القاهرة لعلاج أي قصور في الكتابات ويرجع فيها الباحث إلى التاريخ الشفهي من خلال التحقيق الإستقصائي كما ترصد المكتبة كافة الأحداث التي يشهدها كل مكان في القاهرة والشخصيات التي إرتبطت بها وكيف تفاعلت معها وأثرت فيها والتي تعد موضوعات لا يتطرق إليها الكتاب المكتوب في كثير من الأحيان وبعد مرور أكثر من 15 عاما على إفتتاحها وفي عام 2010م أصبحت المكتبة فى حاجة ماسة الى إعادة تطويرها بما يناسب إحتياجات مجتمع المستفيدين ولمواكبة التطورات السريعة والمتلاحقة فى تكنولوجيا المعلومات ولقد أولت وزارة الثقافة عناية خاصة بتوفير كافة النفقات لإعادة ترميم وتطوير المكتبة وبالفعل تم في نهاية عام 2011م البدء في تنفيذ مشروع لترميم المكتبة يتضمن تنظيف أعمدتها ومعالجة الشروخ التى ظهرت بها وتقويتها وعزلها بأحدث الأساليب الحديثة المتبعة في هذا المجال والحفاظ عليها من العوامل الجوية وإستغرقت هذه العملية حوالي سنتين وقد شاركت جهات عدة في عملية الترميم وهي وزارة الآثار والإدارة الهندسية ومشاريع الخدمة الوطنية في القوات المسلحة وأحد المكاتب الإستشارية الهندسية المتخصصة في نوعية الأعمال المذكورة وتم إعادة إفتتاح المكتبة مرة أخرى في أواخر شهر نوفمبر عام 2013م فى عهد الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق لتعود المكتبة كسابق عهدها منارة للإبداع الثقافى والفنى وملتقى للمثقفيين والمبدعين من مصر ومختلف أنحاء العالم العربى .


وبمرور الوقت وتتابع السنين أصبحت اليوم مكتبة القاهرة الكبرى عن جدارة وإستحقاق بمثابة منارة للثقافة والعلم والمعرفة وبلغ عدد الكتب والمجلدات بها نحو 120 ألف كتاب ومجلد أبرزها إصدارات الهيئة العامة للكتاب ومكتبة الأسرة والهيئة العامة لقصور الثقافة وغيرها من إصدارات وزارة الثقافة ومعها بطبيعة الحال العديد من كتب التراث والمعاجم الشهيرة والكتب الأكاديمية الهامة كما ذكرنا في السطور السابقة وفضلا عن ذلك تشمل المكتبة عدة غرف للخدمات الفنية وقاعة للطفل وقاعة عامة للندوات والتي تتسع لعدد 200 مقعد وتصلح لعرض الأفلام والمؤتمرات والعروض المسرحية ايضا وقد قامت إدارة المكتبة بالعمل علي مواكبة أحدث الطرق التكنولوجية من خلال فهرسة كتبها وموضوعاتها وقامت بتحويل البيانات الخاصة بها لتكون وفقا للنظام المعروف عالميا بإسم أليس ALIS والذي يستخدمه مجلس الوزراء المصري وتطلب ذلك بذل جهود ضخمة من أجل تحقيق ذلك الهدف حيث أن نظام المكتبة لم يكن يدعم معيار مارك للتسجيلات الببليوجرافية لتصبح تلك هي نقطة الصعوبة في التحويل من النظام غير المعياري لكن بجهد القائمين عليها إستطاعت المكتبة تحويل بياناتها إلى معيار مارك وبذلك إستطاعت المكتبة أن تتغلب على التحديات الرقمية وعلي المصاعب التي فرضتها ضرورات العصر بمنتهى السلاسة كما أنه لا تقتصر الخدمات التي تقدمها المكتبة على الطلاب المصريين بل تخدم أيضا العرب والأجانب فالمعرفة هي رسالتها الأهم دون تمييز بين جنسية أو دين وبجانب ما إستحدث من نظم الفهرسة توفر المكتبة خدمات أخرى من أبرزها خدمة المعلومات بالتليفون والفاكس حيث يمكن لأي زائر أن يستعلم عما يريده من خلال وسائل التواصل التي تتيحها المكتبة بالإضافة إلى نادي تكنولوجيا المعلومات وكذلك تقديم خدمة البث الإنتقائي للمعلومات والإحاطة الجارية هذا إلى جانب إصدار سلسلة كتب ودراسات وتنظيم برنامج دورى للنشاط الثقافي والفني للكبار والصغار تقوم بتغطيته كل وسائل الإعلام المختلفة ويتبقي لنا أن نذكر أن عنوان المكتبة هو 15 شارع محمد مظهر بجزيرة الزمالك ويتميز بقربه من كلية الفنون الجميلة وكلية التربية الموسيقية وبعض مدارس اللغات والسفارات المختلفة مما يساهم فى تنوع فئات المستفيدين بالخدمات التي تقدمها المكتبة .

  







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق