الأحد، 22 أغسطس 2021

رجل من عالم النسيان - الحاج أحمد يوسف



رجل من عالم النسيان

أحمد يوسف 



 مقدمة لابد منها :

 

أعزائي قراء البصّارة ، توقفت كثيراً عن الكتابة لأسباب كثيرة، منها الشخصي ومنها العام وكلاهما كان مراً، حال التراث في بلدي لا يسر.. ما بين بيوت قديمة تهدم و إهمال أثار بل هدمها كما حدث في مدينة أسوان ، و تغير شكل مدينتي القاهرة التي أعشقها حد الألم ، كل ما حولي يتغير و كأن هناك من يمحو ذاكرتي.

أما الشأن الخاص فهو فقدان صديقي و أستاذي دكتور محمد حسن الذي كان داعماً لي و معلماً لي و ناقداً لي و بفقده فقدت جزءً من كلي ، و ها أنا الآن أحاول مرة أخرى أن أجمع شتات أمري وأحث فلمي لعله يكتب ،وأملي هو أن تكونوا أنتم الداعمين لي كما كنتم على مواصلة رصد ما حدث في تراثنا و التشبث بذاكرتنا التي تمحى عن عمد.

من ذاكرة مصر المنسية رجال صنعوا التاريخ، أحيوا التاريخ ولكن نسيهم من كتبوا التاريخ ، منهم هذا الرجل الذي سنكتب عنه اليوم لنعيد ذاكرة التاريخ فهو أحد أعلامه في العصر الحديث في مجال التراث المصري،القليل فقط يعرفونه بأنه رمم مركب خوفو وفقط ، و بالكاد يذكرون اسمه أو يتذكرون اسمه

:الحاج أحمد يوسف

و كأن الله وضع سراً في يديه ، وكأن الله حباه نفحة من اسمه المعظّم الباعث الحي ، بطلنا ولد في وسط التاريخ، في مدينة التاريخ حول داره توزع الفن عمارة و زخرفاً ، قصصاً و حكايات ،   زخرفاً ملموساً و محسوسأ.. الدرب الأحمر الذي أينما توجهت و أينما ساقتك قدماك ستدهش من كم الأثار و كان ذلك في 17 مايو سنة 1912 م.

تلقى تعليماً أزهرياً ثم التحق بمدرسة الفنون و الصنائع في درب الجماميز، عمل مساعداً لرائد النحث محمود مختار ثم تم تعينه مرمم في مصلحة الأثار سنة 1930م ووجد نفسه في المتحف المصري.

عمره 18 سنة فتى يدعى أحمد يوسف لم يرحب به أحد من القائمين على المتحف المصري من الأجانب و خاصّة حين بدء التعليق بالسلب على طرق الترميم و كيفية تعامل الأجانب مع الأثر المصري ، قررت العصبة المهيمنة على المتحف أن هذا الفتى غير مرغوب في وجوده فهو مصري لا علم له كعلمنا ، و اتفقوا على فصله ،إلا إن أمين المتحف المصري قال لهم نريد أن يكون فصله مسبباً ، فأعطاه السيد السيد انجلباخ كتلة من الطين و قال له أحمد رمم هذه و قل كم يلزمك من الوقت ..تأملها أحمد و قال 4 أِشهر قهقه إنجلباخ و قال أنا أعطيك 20 سنة و أنت في إجازة بلا مرتب حتى تنهيها .. قال أحمد موافق و لكن بشرط إن أتممتها فسآخذ مرتبي كاملاً  

ثلاث أشهر قضاها عاكفاً كالناسك على القطعة في بيته حتى أتمها لتصبح صندوق خشبي مطعم بالعاج و الأبنوس و ترجع لعصر الملك أخناتون .

بدأ مشواره في المتحف المصري بعد أن تم تثبيته و الإعتراف به كمرمم متميز جداً ،  فرمم تماثيل من الأحجار الصلدة و و أخرى من الخشب و غيرها من نفائس المتحف المصري كالمجوهرات ،  انتدب لترميم أيقونات في المتحف القبطي و عمل في موقع الفسطاط الأثري حيث رمم و أشرف على نقل حوائط مطلية بالجص الملوّن لمتحف الفن الإسلامي ، و أصبح اسمه يتردد كمرمم لا يعرف المستحيل ، فكما كان يقول كل شئ قابل للترميم ، ثبت أقدامه و هو ما زال شابا يافعاً لكن موهبته المصقولة بالعلم و الصبر لفتت الأنظار إليه  .

الإستدعاء الأول من الملك خوفو :

و كأن اسمه وصل إلى الملك فأراد أن يختبره بنفسه.

تم الكشف عن بئر الملكة حتب حرس والدة الملك خوفو سنة 1925م  بواسطة عمال الأثاري الشهير ريزنر و الذي كان يعمل في الموقع منذ فترة طويلة و التي كانت تحوي بعض الأثاث الجنزي للملكة الأم و كانت المعضلة الأكبر في القطع الخشبية مثل كرسي الملكة المحمول المزين بكتابات مصرية قديمة من الذهب و كذا سرير الملكة و أيضاً أساور من الفضة المطعمّة بالأحجار،  و كانت القطع في حال يرثى لها ، حار ريزنر في كيفية ترميم هذه القطع و عرضها على أشهر المرممين الأجانب العاملين حينها في مصر و

متحف بوسطن و جامعة هارفارد و جميعهم أفادوا أنه لا أمل مطلقاً في ترميم هذه القطع


صورة توضح بعض ما وجد في بئر الملكة حتب حرس والدة الملك خوفو في هضبة الجيز 

 



 

صورة أخرى لمحتويات بئر الملكة حتب حرس


كان اسم أحمد يوسف الشاب بدء يتردد بين الأثاريين 

استدعاه ريزنير بعد تزكية من أثاريين بأن هذا الشاب موهوب و مختلف فعرض عليه ريزر ما توصل إليه  .

ريزنر يصحب أحمد إلى البئر و يقول له أنه بعد سنين طالت من كشف البئر لايمكنه إخراج هذه القطع الخشبية الملقاة على أرضية البئر لسوء حالتها و قدم له كشفاً بأسماء كل المرممين الذين سبقت لهم زيارة المقبرة و إفادة منهم بأنه لا أمل في ترميم القطع ، يطلب منه أحمد أن يدعه قليلاً من الوقت في البئر و يعتذر له أنه لا يعلم أي من هذه الأسماء التي أفادت أنه لا يمكن الترميم ، يتركه ريزنر كما طلب في البئر.

خرج أحمد من البئر بعد فترة من الزمن و بيده ورقات دون عليها بعض الملحوظات و رسومات و قال لريزنر سأرممها ، صمت ريزنر و قال له كيف ستفعل متشككاً ! قال له أحمد سأتركك لمدة أسسبوعين وأؤكد لك أني سأرممها إن وثقت بي أرسل لي رسالة و سأوافيك هنا .

نزل أحمد من هضبة الجيزة إلى أحد ورش النجارة اشترى نشارة خشب و بعض الألواح الخشبية وورق مذهب و عاد بها إلى منزله ، حيث حول إحدى الغرف إلى ورشة صغيرة وضع ملاحظاته المدونة على ورقاته و عكف على صنع نموذج للأثاث الملكي صنعه من نشارة الخشب و الألواح الخشبية الصغيرة و الورق المذهب و انتظر .

 

استدعاه ريزنر   بعد أسبوعين فذهب إليه بالنموذج ووسط دهشة ريزنر مما رأى قال له كم راتبك في مصلحة الأثار قال 12 جنيهاً فقال له سأعطيك 50 ج على أن تستقيل من المصلحة و تعمل معي في بعثة متحف بوسطن هنا حتى ننهي العمل ثم تسافر معنا لأمريكا ، اعتذر أحمد و قال مكاني هنا في مصر أرمم الأثر في مصر.

  كان الملك خوفو يرقبه،  و كأن العقد كتب بينه و بين التاريخ، و كأن الله قد أعلمه السر ومنحه نفحة من اسمه البديع .

أتم المهمّة وسط دهشة الجميع و تم عرض قطع الأثاث الجنزي للملكة كاملة غير منقوصة في المتحف المصري و أهدى مستنسخ صنعه لسرير الملكة لمتحف بوسطن و الذي أرسل له جواب شكر بتاريخ 12 اكتوبر 1939م كان عمر أحمد 27 سنة.



الصورتان التاليتان لأثاث الملكة حتب حرس بعد الترميم على يد أحمد يوسف و معروضاتان في المتحف المصري ،و يوجد مستنسخ من السرير الملكي في متحف بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية .
























ابتسم خوفو و رضي و لذا سيستدعيه مرة أخرى  

رحلة العطاء  :

تتوالى البعثات و تبوح الأرض بخزائنها و يكون أحمد هو الشاب  المبدع خلف العديد من الأثار سواء في غرب مدينة الأقصر التي أمضى فيها ما يقرب من 20 سنة يرمم مقابرها كل مقبرة تدرس على حدا و يبتكر طرق لترميمها ، يمضي فيها الليالي يدرسها و يدون ملحوظاته و يضع خطته للحفاظ على الأثر ، فكل شئ قابل للترميم ، لامستحيل هنا و لابد من طريقة ما تبتكر ليحيا الأثر و ليبقى الأثر .  


في أثناء زياراته المتعددة إلى الأقصر لم يكتف بعمله كمرمم بل لفت انتباهه فناني الفطرة الذين ينحتون التماثيل من الأحجار لبيعها للسائحين، تقرب منهم و راقب عملهم و اكتسب ثقتهم واستطاع أن يعرف منهم أسماء بعض منهم الذي اتخد من  تزييف الأثار مهنة تدر عليه ربحاً كبيراً  ، فكتب بحثاً هاماً عن طريقة تزييف الأثار من خلال معايشته لهم وقدم بحثه للمسؤولين ( بحث غير منشور ولايعلم مصيره في المجلس الأعلى للأثار)  

يسافر أحمد أيضاً إلى الواحات الخارجة و الداخلة ليعمل في الترميم ( موقع دوش و البلاط )  و كأن اثار مصر استأمنته على التاريخ و كأنه الجراح الذي تثق به وهو المداوي لجراح الزمان و هو الذي يمحو عنها ما فعلته بها السنون و يبقى الأثر حياً حاملاً اسم أحمد غير المكتوب على الجدران ، و لكن يوماً ما سينطق اسمه ليحيا هو أيضاً فمثله لا يمكن أن ينسى .

الاستدعاء الثاني :

في سنة 1954 يتم الكشف عن حفرة مركب خوفو على يد الأثاري محمد زكي نور و ليس كما يشاع كمال الملاخ فقد كان الأخير يعمل مهندساً في الموقع الأثري و مراسلاً بالقطعة  لنيويورك تايمز وأعلن الكشف باسمه هو ولم يذكر اسم المكتشف الحقيقي والذي ستوافيه المنية بعد أشهر من الكشف.

تكون الفريق المسؤول عن الكشف من : الأستاذ محمد زكي نور ، دكتور زكي اسكندر ، محمد صلاح عثمان و أحمد يوسف.

بعد أن تمت إزالة كامل الرديم و رفع الأحجار الكلسية التي تغطي حفرة المركب بدء دور الحاج أحمد يوسف .

قبل أن نسرد ما فعله الحاج أحمد يوسف الذي سيتولى الجزء الأهم والأخطر في هذا الكشف ألا وهو الترميم و التركيب ليحيا الأثر و ليبقى الأثر ، سنعرض بإيجاز الأجواء المحيطة بالكشف.

 تم تسييس الكشف و كان هناك الكثير من الضغوط سواء السياسية و الإعلامية لإبراز هذا الكشف فلكل زمان رجاله و بعض الرجال يتطلعون دائماً للشهرة و إرضاء الحاكم تقرباً أو تملقاً ، كما أن للمناصب شهوة و للكرسي السطوة  ، و هذا كان له تبعات على كل من يعمل سواءً بالسلب أو الإيجاب ،مثال على ذلك هو سرعة إطلاق بيان من هيئة الأثار في أقل من شهر توصف فيه الكشف وتسميه بمركب الشمس مستبقين أي من الدراسات العلمية   وأعمال الترميم !

  أحمد يوسف  نأى بنفسه تماماً عن كل ما يحدث حوله هو الآن أمام مهمّة تاريخية و بين يديه كنز مكتشف حديثاً، دوره هو العمل في صمت كما اعتاد بلا صخب و لا ضوضاء ، أِشرف على نقل القطع الخشبية و كل ما كان بالحفرة ، درس الحفرة جيداً ، دون ملاحظاته ، لا ينبغي أن يفوته شئ حتى ما كان مكتوباً على جوانب الحفرة بيد المصري القديم... ابتعد عن الأضواء هذا ليس وقت الشهرة هذا وقت العمل .

و كان الملك خوفو يرقبه.

الحاج أحمد الآن في العقد الخامس من عمره واثقاً من نفسه و خبرته ولكن ليس لحد أنا يغامر بتجارب غير محسوبة ، بهدوئه المعهود وصرامته المعروفة شكل فريقه  وبدء رحلته مع الترميم كان يعامل كل قطعة من الخشب على حدا دارسةً و فحصاً ، بيده قلمه يكتب و يدون ملحوظاته يعطي تعليماته التي يجب أن تنفذ حرفياً و بمنتهى الدقة  لا مجال للتهاون و لا مجال للخطأ ، من شدة حرصه يحكي هو أنه عتّف أحد مساعديه أنه كان يحمل قطعتين من الخشب لا يزيد طول الواحدة منها عن بضع سنتيميترات فراجعه مساعده أنهما خفيفتا الحمل ! قال عقلك لا ينشغل بشيئين احمل  كل قطعة لوحدها فيكون كل عقلك مركز على شئ واحد ، فهذه ليست قطعة خشبية عادية أنت تحمل كنزاً لا يعوض.

كان الحاج أحمد يتجنب أن يستستهل استبدال أي جزء من الخشب إلا لو كان تالف تماماً و يجرب مرات لا تعد حتى يصل إلى أنه يجب أن يستخدم قطعة جديدة على الأصل ، فكان يذهب لمخازن الأثار في القلعة حيث يوجد جزء لتخزين أخشاب قديمة ترجع لعصور قديمة ومنها ما سيبقى قابعاً هناك إلى أبد الدهر بلا ترميم ، ينتقي منها الأنسب حتى لو كانت القطعة في حجم العملة المعدنية .

 

تم بناء مقر بجوار حفرة المركب لتصبح المعمل الذي سيعمل به الحاج أحمد على ترقيم قطع المركب وترميمها ، و تم بناء استراحة متواضعة بجوار الطريق الصاعد للهرم الثاني ليقيم به الحاج أحمد ، يستشعر الحاج أنه لابد أن يتعلم صناعة المراكب فيذهب ليصبح تلميذاً تحت أيادي مشايخ الصنعة على النيل في القاهرة و على البحر في الإسكندرية، يتعلم منهم كيف يصنعون مراكبهم الخشبية يسمع منهم حكايات الأسطوات القدامى فكل كلمة هي معلومة ، يجرب بيديه نشر الخشب ، تجميع الخشب ، ربط الخشب يقابل بالثناء على عمله أحياناً و بالتعنيف أحياناً أخرى هو تلميذ لا يتكبر أبداً على التعلم ،  وتتم إجازته على يدي مشايخ الصنعة التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة و ربما كان الحاج أحمد آخر من يحمل السر ، آخر من أؤتمن على السر.

لم يكتف الحاج أحمد بهذا بل كان يقضي الأيام الطوال في دراسة كل مناظر الصيد و الإبحار على جدران مقابر سقارة، و يدون ملاحظاته ، يتمعن في جداريات تصور صناعة المراكب خاصة في مقبرة تي في سقارة ، يرسم المنظر و الأدوات ثم يعود إلى استراحته في الهضبة محاولاً تصنيع نفس الأدوات كالمصري القديم.

يجلس في ركن ما محاولاً صنع نماذج من المراكب التي رآها مستعيناً بما درسه و سمعه على ضفاف النيل من المراكبية ، و إذا استشكل عليه أمر كان يسلي نفسه بلعبته المفضلة ( البازل) و هي أحجية مكونة من قكع صغيرة من الخشب أو الفسيفساء عند تركيبها تشكل منظراً هندسياً أو فنياً ، أو يرتحل لضفة النهر أو البحر يجلس بين يدي مشايخ الصنعة و يتناقشون في كيفية تركيب القطعة. 























أذن له الملك بالخلد :

رضي خوفو أن يخلّد اسم أحمد يوسف مصطفى .


أكثر من 10  سنوات مرت و هو يعمل في صمت متعرضاً لكافة الضغوطات السياسية والعملية من رؤسائه كل منهم يريد إنجازاً ما للحفاظ على المناصب و تغذية الروح الوطنية  ، يقاوم هو بالصمت و العمل ، أخيراً تمت المحاولة الأولى للتركيب  سنة 1968م ولم يرضى عنها ، بعد كل هذا الجهد لا يرضى عنها فيأمر بتفكيكها ليبدأ من جديد  ، بعد أربع محاولات ظن أنه اقترب ، حينها كان بدء العمل في المتحف الذي ستعرض فيه المركب فوق الحفرة التي تم اكتشافها فيه ، نقلت المركب مفككة إلى داخل المبنى ليتم التركيب الخامس و الأخير في أواخر السبعينيات من القرن ال20و الذي قال عنه الحاج أحمد إنه الأقرب للصواب! و تم افتتاح المتحف رسمياً في سنة 1982م.


هذه المرة كانت الإجازة من الصانع المصري القديم لمرمم الأثر المصري في العصر الحديث أباحوا له بالسر فكان المركب ، هذا هو الإنجاز و مفتاحه الإخلاص ، طال الزمان أو قصر سيأتي يوماً من يبوح بالسر لشخص يؤتمن على السر.








الحاج أحمد لم يكن فقط مرمماً بل كان صاحب رؤيا ورأي فلم يقبل أبداً بما صرح به المهندس و الصحفي كمال الملاخ ومن حذا حذوه  بأن هذه المركب مركب شمس لخدمة الملك في العالم الآخر، بل مما درسه دراسة متأنية علمية توثيقية أثناء ترميمه أن هذه المركب كان مركب تقطر بمراكب أخرى صغيرة و قد  أبحرت في الماء ولا علاقة لها إطلاقا بالعالم الآخر ومفهومه لدى المصري القديم .

كما أن الحاج أحمد أيضاً لم يكن راضياً عن تصميم المتحف وكان متخوفاً من شدة الإضاءة داخله و تأثيرها على المدى البعيد، فكان يرى أننا لو كنا على صواب في التأريخ لعمر المركب فنحن نتحدث عن قطعة فريدة عمرها يقارب ال4500 سنة ، حفظها لنا الأجداد و يجب أن نحافظ عليها لأجيال قادمة  و إلا لم الترميم؟

انتهى الحاج أحمد من مهمته الأكبر بعد مشوار حافل بالعمل خلف الأضواء، وبلا صخب ، ترك لنا ما يحدثنا عنه محفوظاً بعناية ، موثقاً بكتابات ورسومات حمّلنا الأمانة و حفظ لنا السر.

حين تنظر في عين الشمس لا ترى الظل ، قبع هو في الظل لينير الأثر.


عاد إلى بيته في شارع سوق السلاح و بعدها بسنوات تحديداً في سنة 1987 تم استدعاؤه ليقول رأيه في المركب الثاني الذي أدخلوا له كاميرات حديثة لتصويره في الحفرة و قد أفاد برأيه حينها أنها مركب مهمتها هو قطر المركب الأولى .

أصبح منزله في الدرب الأحمر مزاراً لكل باحث ومتخصص في المراكب الأثرية و لم يبخل على أحد بمعلومة.

 

تكريمات :




تم منح أحمد يوسف سنة 1946 الميدالية الذهبية للمعرض الزراعي بالقاهرة لتصميمه نماذج رائعة عن الصناعات الدقيقة في مصر القديمة.

حصل الحاج أحمد سنة 1967 على وسام العلوم و الفنون ومبدالية المعهد الفرنسي للآثار الشرقية تكريماً لأعماله و جهوده في حفائر موقع البلاط و دوش و كرم ثانية سنة 1981 .

في سنة 1982 تم تكريمه من الحكومة المصرية و إهداؤه وسام الجمهورية من الدرجة الثانية لترميم مركب خوفو.


اهداءاته ووصيته:

أهدى الحاج أحمد يوسف جزء من مكتبته لأحد جامعات ألمانيا و أوصى أن يتم حفظ أرشيفه كاملاً في للمجلس الأعلى للأثار و تم تشكيل لجنة في ابريل سنة 1999 من مركز تسجيل الأثار المصرية لحصر و استلام ارشيفه و تم ايداعه بالمجلس الأعلى للأثار .

توفي الحاج أحمد يوسف مصطفى في 2 فبراير سنة 1999م عن عمر يناهز 87 سنة قضاها حوالي 70 سنة مرمماً للأثار المصرية .


رحم الله الحاج أحمد يوسف 



 

كم في مصر من رجال خدموها في الظل .


و نحن نكتب عن الراحل الحاج أحمد يوسف كانت مركب خوفو تنقل من مقرها الأصلي في هضبة الجيزة وسط تهليلات إعلامية لوضعها في متحف تحت الإنشاء يشغل حيزاً من المتحف الكبير، ما حدث هو مخالف لكل المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر و التي تنص عن الأثر يجب أن يكون في مكانه ما لم تهدده اخطار كالزلازل و البراكين.


يحوي هذا الصندوق المركب بعد نقلها إلى متحف ما زال تحت الإنشاء.



اعتبر القائمون على أمر التراث أن نقل مركب خوفو في يومين مسافة 10 كم من هضبة الجيزة إلى المتحف الكبير هو إنجاز عالمي! و لا أعلم إن كان هذا انجازاً فماذا نسمي ما فعله الحاج أحمد يوسف إذن ، لقد أمضى الرجل ما يزيد عن 20 سنة في ترميم و تركيب المركب!!

راقبنا عن كثب كل ما كتب في وسائل الإعلام عن المركب فكان أغلبها غثاءً و به كم هائل من المعلومات المغلوطة إلا القليل جداً من لقاءات صحفية مع علماء أثار ذكروا بعض الحقائق .

لم يتمكن أي أثري من تفكيك المركب فنقلت كتلة واحدة ، فلا أحد غيره قادر على التفكيك و التركيب ، مع أنه كتب كل ملاحظاته و ترك لنا أرشيفاً محفوظاً في مصر !

من الواضح أن لا أحد يقرأ التاريخ أو يعتبر من حوادث التاريخ فلذا سيكرر الإنسان نفس الخطأ و هذا ما اتضح مما يحدث في التراث المصري.

يتصدر المشهد أسماء لن يتذكرها أحد ، و سيبقى الجادون دائماً في الظل حتى يأتي يوماً ما قريباً كان أو بعيداً ليسلط الضوء على هذه الفترة الزمنية فالتاريخ لا ينسى،  ينسى الإنسان أن يقرأ .


رحم الله الحاج أحمد يوسف مصطفى رجل من عالم النسيان .


شكر واجب :

مركز والي للحفاظ على العمارة و التراث.

دكتور زياد مرسي.

المصادر :

The royal ship of Cheops. Paul Lipke.

The boat beneath the pyramids. Nancy Jenkins.

كمال و يوسف أثريان من الزمن الجميل – لؤي محمود سعيد.

https://archive.aramcoworld.com/issue/198001/the.smell.of.time.htm

https://akhbarak.net/news/20110177/articles/36770208/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%8A-65-%D9%84%D8%A7%D9%83%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D9%81%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%81

تعريف بريبجنلاند إنبلاخ الرجل الذي كان أميناً للمتحف المصري

https://en.wikipedia.org/wiki/Reginald_Engelbach

https://elnile24.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8A/

جميع الصور المستخدمة في هذا المقال مصدرها من الكتب الثلاث الأولى التي اعتمدنا عليها بشكل رئيس في اخراج هذا العمل و قد قام بمعالجتها المتطوع : زين محمد خضر  

الخميس، 12 أغسطس 2021

قصر الأميرة سميحة حسين كامل



 قصر الأميرة سميحة حسين كامل 

سمو الأميرة سميحة بنت السلطان حسين كامل بن الخديو اسماعيل بن الوالي إبراهيم بن الوالي محمد علي باشا.


 


 والدتها هي ملك طوران صاحبة القصر الشهير في ضاحية مصر الجديدة 

 


 توفيت الأميرة في قصرها بالزمالك سنة 1984

كتب عنها في جريدة أبو الهول المهندس طارق بدراوي مقالاً هاماً يعتبر هو الأكثر دقة ،ويتناول في هذا المقال جزءً مهماً من حياة الأميرة واهتمامها بالفن التشكيلي ورعياتها له مما حداها أن تطلب في وصية أن يصبح القصر مكاناً لرعاية الثقافة و الفنون،فأصبح مكتبة القاهرة الكبرى .

المقال منقول حرفياً من جؤدة أبو الهول يتبعه بعض الصور الحديثة من تصوير سالي سليمان.

بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

الأميرة سميحة حسين كامل هي الإبنة الثانية للسلطان حسين كامل الذي حكم مصر لفترة قصيرة لم تكمل 3 سنوات في الفترة من شهر ديسمبر عام 1914م حتي شهر أكتوبر عام 1917م من زوجته الثانية التي عرفت بإسم السلطانة ملك التي أنجب منها 3 إناث هن قدرية وسميحة وبديعة وهي أيضا إبنة عام الملك فاروق آخر ملوك مصر وكانت من أقرب وأعز الصديقات لزوجته الأولي الملكة فريدة والتي كانت تزورها كثيرا بقصرها بحي الزمالك وكان يجمع بينهما حبهما للرسم والتصوير وللفن عموما ولها أيضا شقيقان وشقيقتان من أم أخرى هم الأميران كمال الدين حسين وأحمد كاظم والأميرتان كاظمة وكاملة وأمهم هي الأميرة عين الحياة إبنة الأمير أحمد رفعت باشا الإبن الأكبر للقائد إبراهيم باشا إين محمد علي باشا .


ولدت الأميرة سميحة حسين كامل في يوم 17 يوليو عام 1889م وعرف عنها حبها للفنون ولذلك فقد حولت قصرها إلى ما يشبه الصالون الأدبي والفني وكثيرا ما كانت تقيم به الحفلات الغنائية لأشهر المطربين مثل محمد عبد الوهاب بالإضافة إلى الصالونات الأدبية لأشهر أدباء وشعراء ذلك العصر علاوة علي أن حفلات الموسيقى ومهرجانات التنكر المعروفة وقتها كانت لا تنقطع عن هذا القصر كان منها حفل شهير حضره كل أفراد عائلة محمد علي باشا وهناك صورة شهيرة لهذا الحفل يقف فيها الملك فاروق مرتديا زيا بدويا وإلى جواره الملكة فريدة في ملابس فتيات الغجر بوسط أوروبا وفضلا عن ذلك فقد تعلمت الأميرة سميحة حسين كامل فنون النحت والرسم والتصوير على أيدي أشهر الفنانين الإيطاليين وقد أمضت الأميرة سميحة حسين كامل نحو 75 عاما فى ممارسة الفن نحتا وتصويرا زيتيا وفوتوغرافيا وإنحازت من خلالها للتراث المصرى الخالص لكن أعمالها ظلت مغمورة حتى بعد مضى نحو 35 عاما على وفاتها ولم تتواتر عنها الأحاديث بشكل يوفيها حقها كونها فنانة مهمة بل ظلت مجهولة حتى على صفحات أهم مصادر التوثيق للفن الحديث وحديثا وبالتحديد خلال عام 2019م تم إعادة إكتشاف الأميرة الفنانة سميحة حسين للجمهور وتقديم أعمالها النحتية والتصويرية التى تم التوصل إلى بعضها عبر تتبع الوثائق التاريخية وفى هذا الصدد تم عقد مؤتمر صحفى نظمته إحدى مؤسسات الدولة للكشف عن أعمالها الفنية وأعمال إبن عمها الأمير محمد على توفيق إبن الخديوى توفيق الذى كان معروفا عنه حبه للترحال وللفنون وجدير بالذكر أن هناك مجموعة من المجوهرات الخاصة بالأميرتين سميحة وقدرية حسين كامل إبنتي السلطان حسين كامل معروضة ضمن معروضات متحف المجوهرات الملكية بحي زيزينيا بمدينة الإسكندرية وهي تشمل مجموعة نادرة من ساعات الجيب المصنوعة من الذهب المرصع بالماس البرلنت والفلمنك وسوار من الذهب مرصع بالماس البرلنت والفلمنك واللؤلؤ .

وبحسب الدكتور ياسر منجى عضو المجلس الدولى للمتاحف إن الأميرة سميحة حسين كامل قد نشأت فى قصر السلطان حسين المواجه لقصر البارون إمبان الشهير مولعة بالرسم والتصوير وصناعة التماثيل بل وإقتناء نسخ أصلية لتماثيل نحتها نحاتون إيطاليون وفرنسيون منذ نعومة أظافرها لذا أرسلتها والدتها السلطانة ملك لدراسة التصوير بمعهد البوزار بباريس ثم إلى إيطاليا لتتعلم النحت مضيفا أن هذه الأميرة الفنانة كانت محبة للتراث الفرعونى فجاءت مشاركتها فى أولى المعارض المصرية التى ضمت فنانين مصريين وأجانب بمنحوتات برونزية صغيرة لراقصات فرعونيات وإلى جانب النحت كانت محبة للرسم الزيتى والتصوير الفوتوغرافى وعكست صورها حبها للتراث القبلى ففى عام 1937م وثقت للحياة القبلية فى مصر بصورة أحد الرعاة بقبيلة أبو قير وقد تولت الأميرة الفنانة أيضا نحت أعمال تذكارية وتماثيل نصفية لتوثيق تاريخ معظم أفراد الأسرة العلوية التى تنتمى لها كان أشهرها تمثال لجدها الكبير مؤسس الأسرة العلوية محمد على باشا وآخر لجدها الخديوى إسماعيل ووالدها السلطان حسين ثم لعمها الملك فؤاد والذى أهدته تمثالا بعد توليه العرش لإعجابه بفنها وبحسب الوثائق نحتت الفنانة سميحة حسين التمثال من الجبس عام 1933م ودخلت به مسابقة معرض صالون القاهرة وهو أول معرض جماعى فى مصر وفازت بجائزة المعرض وفى عام 1935م إقتناه الملك فؤاد ثم أرسله ليصب بالبرونز فى باريس عام 1937م وهو موجود الآن بمتحف قصر عابدين وموثق عليه إسمها وبحسب الدكتور منجى مرة آخرى فإن الأميرة الفنانة كان لها دور كبير فى تأسيس المعارض وتنظيمها وشاركت بأعمالها فى أوائل المعارض الفنية الكبرى التى عرفها الفن المصرى الحديث وعرضت أعمالها جنبا إلى جنب بجوار أعمال رواد الفن المصرى فنجدها قد شاركت في تنظيم معرضين فى عام 1921م ثم فى عام 1922م وعلاوة علي ذلك فقد كان لها دور ملموس في تأسيس الجمعية المصرية للفنون الجميلة .


إشتهرت الأميرة سميحة حسين كامل بقصرها الذى كان قد أنشأه تاجر الغلال المليونير اليهودي القطاوى باشا في أوائل القرن العشرين الماضي وتحديدا في عام 1902م في أحضان نيل مصر وبالتحديد في جزيرة الزمالك أرقى أحياء القاهرة وأكبر جزر نهر النيل ثم إشترته منه الأميرة سميحة حسين كامل في يوم 7 فبراير عام 1942م يمبلغ 12250 جنيه مصري وهو مبلغ كبير بمقاييس تلك الفترة وقامت بعمل بعض التعديلات والإضافات عليه بحيث جعلته من أفخم القصور وأهمها من الناحية التاريخية وهو محاط بسور حديدى بواباته مزخرفة بنقوش فريدة ويعلوه برج شامخ يشبه أبراج الحصون والقلاع الحربية القديمة حيث تتعانق طرز العمارة الإسلامية المختلفة المملوكية والفاطمية والمغربية والأندلسية والعثمانية في مشهد فني شديد التميز والجمال وأصبح هذا القصر جامعا لعناصر الفنون المختلفة خاصة الإسلامية منها في تناغم وتناسق معمارى فريد ونادر وقد ظلت الأميرة سميحة حسين كامل تشغل القصر هي وزوجها الفنان وحيد يسري باشا ولقد شاء القدر ألا ينجبا أطفالا ومن ثم عاشت وحيدة بهذا القصر الشاسع حتى بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م ورفضت الأميرة أن تغادر القاهرة كباقى أفراد العائلة العلوية بل ظلت تحيا فى كنف قصرها رغم قسوة الأيام عليها فى نهاية حياتها إلى أن توفيت عام 1984م عن عمر يناهز 95 عاما وكانت الأميرة سميحة حسين كامل قد أوصت بأن يستخدم القصر بعد وفاتها للأغراض الثقافية والفنية وأن يستغل فيما يخدم الثقافة والعلم والفن في مصر حيث أنها كانت تعد من مثقفي وفناني عصرها وكانت تعشق الثقافة والفن كما ذكرنا في السطور السابقة كما أنها كانت تكتب الشعر باللغات العربية والفرنسية والتركية وبالفعل تم تنفيذ وصيتها وتحول القصر الآن إلى مكتبة القاهرة الكبرى التي إفتتحت في يوم 24 يناير عام 1995م كواحدة من أكبر المكتبات العامة في مصر بعدما كاد أن يتحول القصر الى قسم للشرطة يتبع وزارة الداخلية لولا أن تبني الصحفي والكاتب المعروف الأستاذ كامل زهيرى فكرة تحويل هذا القصر إلي مكتبة عامة تخدم القاهرة وضواحيها وأن يطلق عليها إسم مكتبة القاهرة الكبرى وبالفعل قام بعرض تلك الفكرة علي المسئولين بوزارة الثقافة وعلي رأسهم وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني ونالت هذه الفكرة الإستحسان والموافقة وبدأ العمل في تحويل القصر إلي مكتبة في شهر سبتمبر عام 1992م وبالفعل في التاريخ الذى ذكرناه في السطور السابقة كانت هذه الفكرة قد تم تحقيقها وخرجت إلي النور وتم إفتتاح مكتبة القاهرة الكبري لرواد الثقافة والعلم والفن من مختلف أنحاء مصر والعالم .


وعن شخصية الأميرة سميحة حسين كامل فنجدها قد إنعكس ولعها بالفن على ملامح قصرها فإنفرد عن باقي قصور القاهرة التاريخية بتصميمه المعماري الرائع والمتميز حيث بني على الطراز الإسلامي الحديث المقتبس من المدارس الإسلامية المملوكية وشاعت فيه أيضا الروح الأندلسية والمغربية كما بدت في زخرفة مبانيه روح الطراز العثماني وفنون عصر النهضة الأوروبي ونماذج لطرز العمارة الرومانية والإغريقية وبذلك أصبح القصر مدرسة فنية جامعة لعناصر الفنون المختلفة وللقصر أربع واجهات ولعل أهم ما يلفت النظر اليها ذلك البرج الدائري الذي يرتفع أعلى الواجهات ويقع بالركن الجنوبي للقصر ويحتوي على مجموعة من النوافذ تغطي محيطه الخارجي من أسفل لأعلي ويعلوها في النهاية عقود مدببة ومزخرفة بزخارف هندسية وتعد هذه الواجهات نموذجا تطبيقيا لدارسي العمارة والفنون الإسلامية وذلك لما تحويه من عناصر معمارية وفنية إسلامية الطراز بحيث نجد هذه المجموعة من النوافذ التي تنتهي بعقود مدببة محمولة على أعمدة مدمجة في الحوائط إلى جانب شرفات بدرابزين على هيئة مجموعة من الأعمدة ذات العقود وهي بذلك تماثل أشكال البوائك داخل المدارس والمساجد الإسلامية بينما تنتهي واجهات القصر الخلفية من أعلى بعنصر معماري إنتشر في العمائر المملوكية وهو عنصر الشرفات التي على هيئة ورقة نباتية ثلاثية أما من حيث الزخرفة فقد زخرفت جميع جدران الواجهات الخارجية بنوع من الزخارف الإسلامية ذات الأصول الفارسية والتي إنتشرت في مصر خلال العصرين المملوكي والعثماني ونجدها بكثرة على المشغولات المعدنية المنتشرة في آثار هذين العصرين كشبابيك الأسبلة وهذه الزخرفة تبدأ بصف من الأعمدة الرشيقة الصغيرة تحمل فوقها عقود ذات فصوص يعلو بعضها البعض بشكل متكرر وتكون هذه العقود فيما بينها ما يسمى في الفن الإسلامي بأشكال النجاريات وهي أشكال بيضاوية مفصصة إستخدمها الفنان المسلم في زخرفة جلود المصاحف والكتب الإيرانية والمملوكية وعلى القباب في العصر العثماني ونجدها في قصر الأميرة سميحة حسين كامل وقد نفذت من الجص كما نفذت زخرفة أخرى من الجص أسفل النوافذ على هيئة أشكال دائرية من خمس دوائر أكبرها أوسطها وهذا النوع من الزخرفة طالما إنتشر كثيرا في العمائر العثمانية .


ويتكون هذا القصر من ثلاثة طوابق وبدروم تحت الأرض يحيط به سور حديدى كما ذكرنا في السطور السابقة بديع الشكل زخرفت بوابته الرئيسية بثلاثة عقود مفصصة بإطار مدبب ذات طابع أندلسي يعلوها عمودان من الحديد ينتهيان بمصابيح حديدية كانت تستخدم لإضاءة البوابة ليلا وتؤدى البوابة الرئيسية إلي سلم رخام يتم من خلاله الصعود إلى مدخل القصر الذى توجد به صالة هي بهو القصر ويوجد بها بوائك ثلاث تكون ثلاثة أضلاع لمربع وهي تذكرنا ببوائك مسجد قرطبة في الأندلس وهي بوائك أندلسية الطراز عبارة عن أعمدة من الرخام الفخم الوردي المنتهية بتيجان مقرنصة تعلوها عقود مفصصة بإطار مدبب وقد زخرفت بواطن العقود وتيجان الأعمدة بزخارف نباتية مطلية بماء الذهب أما حوائط البهو فهي غنية بزخارفها الجصية ذات الطراز الأندلسي وهي زخرفة شهيرة عرفت بزخرفة الكف الأندلسية جاءت رمزا لمقولة أن المسلم يده في يد أخيه وهي زخرفة هندسية تجريدية على هيئة المعين وقد كست هذه الزخرفة جميع جدران البهو وحول هذه الزخارف توجد أشكال معدنية مذهبة على الحوائط وهي على شكل رؤوس المسامير التي كانت توضع على أبواب المدارس المملوكية المصفحة لتثبيت الشرائح المعدنية أما سقف البهو فقد قسم إلى مناطق مربعة ومستطيلة ملئت جميعها بزخارف هندسية ونباتية جميلة ومذهبة ذات طابع إسلامي ويفتح البهو على مجموعة من الحجرات التي كانت معدة للإستقبال يتقدمها بالجانب الأيمن حجرة المصلى وقد صممت وكأنها أحد المساجد المملوكية حيث فرشت أرضها بالرخام الأبلق الأسود والأبيض ووضع بأحد أركانها محراب له عمودان من الرخام الأبلق الفاخر وذلك لتحديد إتجاه القبلة أما حوائط الغرفة فمكسوة بالرخام الأبلق والمشهر الأصفر والبني أما السقف فقد نفذ وكأنك داخل أحد المساجد الجركسية فهو عبارة عن براطيم خشبية أى عروق خشب مزخرفة بأشكال نجمية ونباتية ملونة باللون الأحمر والأصفر والأبيض والأصفر ويرتكز هذا السقف على إفريز خشبي عليه نقوش كتابية كوفية بصيغة البركة الكاملة والنعمة الشاملة كما توجد حجرة أخرى من حجرات الطابق الأول وهي حجرة الإستقبال وأهم ما يميزها سقفها الفريد الذي مازال يحتفظ بألوانه الأصلية ذات الطراز العثماني والمزخرف بمجموعة من الورود والزهور والأوراق النباتية العثمانية كما تنفرد أبواب هذه الحجرة عن باقي أبواب القصر بألوانها الصافية وما يوجد بها من نحت بارز على هيئة مجموعة من الورود والأوراق النباتية .
ويعتبر صالون كبار الزوار هو تحفة القصر وهو يوجد بجوار حجرة الإستقبال ولعل ما يستدعي النظر في هذا الصالون هو طراز عمارته المتأثر بالعمارة والفن الروماني حيث نجد به عمودين يتميزان بالضخامة يعلوهما تيجان أيونية أما نوافذه فهي معقودة بعقود نصف دائرية والحوائط عبارة عن بانوهات كبيرة بسيطة مزخرفة بأوراق نباتية وزهور صغيرة وبالجانب الجنوبي من البهو يوجد سلم ضخم بدرابزين مصنوع من الرخام الفاخر باللونين الأبيض والوردي وعند صعودك درجاته ستجد أمامك ثلاث نوافذ كبيرة تنتهي بعقود مدببة محمولة على أعمدة كبيرة ضخمة ذات طراز إسلامي وهذه العقود من أعلى تحمل قبة كبيرة أنيقة تغطي بئر السلم وقد زخرفت القبة من الداخل بزخارف إسلامية وهي أشكال نجمية وهندسية وأرابيسك وخطوط متقاطعة تكون فيما بينها أشكال مستطيلات ومربعات بما يسمى في الفن الإسلامي زخرفة الجفت اللاعب وهذا السلم الرخامي يتفرع إلى طرفين بشكل دائري ثم يلتقيان في بسطة ومنها إلى صالة بالطابق الثاني مستطيلة الشكل بها أربعة أعمدة كبيرة بتيجان عبارة عن كورنيش من أوراق نبات الأكانتس وهي ذات طراز إغريقي وتفتح هذه الصالة على سبع حجرات منها حجرة تأخذ الشكل الدائري بأحد أركانها دعائم حجرية مستطيلة تعلوها عقود مدببة مكونة من بوائك تشبه بوائك جامع الحاكم بأمر الله الفاطمي بالقاهرة أما سقف هذه الحجرة فيأخذ شكلا بيضاويا محلى بزخارف نباتية جصية داخل دوائر ومزهريات وورود وأوراق نبات الأكانتس وكلها من الجص الأبيض وأسفل هذا السقف وأعلى حوائط الحجرة يوجد شريط عريض مزخرف بمجموعة كبيرة من النحت البارز لتماثيل آدمية لسيدات في أوضاع مختلفة وهي من الجص وترمز لآلهة الأساطير الإغريقية مثل دافني وأوروبا وفينوس وهي تخرج من المحارة وغيرها أما أرضيات الحجرات السبع فهي من الخشب الباركيه والأبواب جميعها من الخشب المزخرف بالطراز العثماني المسمى بالمعقلي .


وإذا ما صعدنا إلي الطابق الثالث عن طريق سلم جانبي يبدأ من الدور الثاني فسيؤدى بنا السلم الى عدة قاعات ولكن أميزها القاعة الدائرية وهي برج القصر والتي كان يشغلها مرسم الأميرة سميحة حسين كامل وبها نوافذ من الجص المعشق بالزجاج الملون وتشابه تلك النوافذ التي شاعت في مساجد وعمائر العصر العثماني بالقاهرة وهذه القاعة الدائرية تعلو بئر السلم الرخامي للقصر وتبدو من بعيد كأحد أبراج القلاع الحربية التي تميزت بها العمارة الحربية في العصور الوسطى خاصة العمارة الحربية المغربية والأندليسية وهو ما يضفى على هذا القصر طابعا أسطوريا خلابا يجعل عبقه لا يغادرك بسهولة ويجعلك دائما تتوق لزيارته مرات ومرات وأخيرا فبخصوص البدروم فقد كان مخصصا لإقامة الخدم وبه مطبخ كبير ومغسلة وعدد من المخازن وجدير بالذكر أن الأميرة سميحة حسين كامل نظرا لكونها كانتت مولعة بالرسم والفنون الجميلة فلذلك حرصت علي أن تجعل من قصرها تحفة فنية نادرة حيث أشرفت بنفسها علي تنفيذ جميع الزخارف الهندسية والرسومات النباتية علي واجهات القصر وعلي جدرانه وأسقفه الداخلية‏ ‏هذا وقد تم تسجيل هذا القصر في عداد الآثار الإسلامية بالقرار رقم 185 لسنة 2001م .


وبخصوص مكتبة القاهرة الكبرى التي تشغل القصر حاليا فمنذ إفتتاحها في عام 1995م أصبحت أكبر مكتبة عامة فى القاهرة بعد دار الكتب ومن أبرز مراكز الإشعاع الثقافى والحضارى التى أنشاتها وزارة الثقافة المصرية حيث تضم بالإضافة إلي العدد الضخم من الكتب والمجلدات التراثية المختلفة والمعاجم الشهيرة والمؤلفات الأكاديمية العديد من القاعات المختلفة للفنون والخرائط وعلاوة علي ذلك تضم المكتبة أرشيفا كاملا من الميكروفيلم والميكروفيش يضم جميع أعداد جريدة الأهرام منذ صدور العدد الأول في يوم 5 أغسطس عام 1876م بمدينة الإسكندرية وكذلك جميع أعداد مجلة دار الهلال وكتاب الهلال ومجلة المصور وكذلك كتب التراث مثل كتاب وصف مصر الذي أعده علماء الحملة الفرنسية على مصر وخطط المقريزي والخطط التوفيقية وكل تاريخ مصر بكل عصوره كما تضم المكتبة وصف وتناول كامل لكل مدينة وكل قرية وكل حارة وكل زقاق في مصر وكل الأماكن والأنشطة وحتى الأشجار التي لها تاريخ في مصر وتنظم المكتبة سنويا مسابقة بين الباحثين عن أحياء وشوارع القاهرة لعلاج أي قصور في الكتابات ويرجع فيها الباحث إلى التاريخ الشفهي من خلال التحقيق الإستقصائي كما ترصد المكتبة كافة الأحداث التي يشهدها كل مكان في القاهرة والشخصيات التي إرتبطت بها وكيف تفاعلت معها وأثرت فيها والتي تعد موضوعات لا يتطرق إليها الكتاب المكتوب في كثير من الأحيان وبعد مرور أكثر من 15 عاما على إفتتاحها وفي عام 2010م أصبحت المكتبة فى حاجة ماسة الى إعادة تطويرها بما يناسب إحتياجات مجتمع المستفيدين ولمواكبة التطورات السريعة والمتلاحقة فى تكنولوجيا المعلومات ولقد أولت وزارة الثقافة عناية خاصة بتوفير كافة النفقات لإعادة ترميم وتطوير المكتبة وبالفعل تم في نهاية عام 2011م البدء في تنفيذ مشروع لترميم المكتبة يتضمن تنظيف أعمدتها ومعالجة الشروخ التى ظهرت بها وتقويتها وعزلها بأحدث الأساليب الحديثة المتبعة في هذا المجال والحفاظ عليها من العوامل الجوية وإستغرقت هذه العملية حوالي سنتين وقد شاركت جهات عدة في عملية الترميم وهي وزارة الآثار والإدارة الهندسية ومشاريع الخدمة الوطنية في القوات المسلحة وأحد المكاتب الإستشارية الهندسية المتخصصة في نوعية الأعمال المذكورة وتم إعادة إفتتاح المكتبة مرة أخرى في أواخر شهر نوفمبر عام 2013م فى عهد الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق لتعود المكتبة كسابق عهدها منارة للإبداع الثقافى والفنى وملتقى للمثقفيين والمبدعين من مصر ومختلف أنحاء العالم العربى .


وبمرور الوقت وتتابع السنين أصبحت اليوم مكتبة القاهرة الكبرى عن جدارة وإستحقاق بمثابة منارة للثقافة والعلم والمعرفة وبلغ عدد الكتب والمجلدات بها نحو 120 ألف كتاب ومجلد أبرزها إصدارات الهيئة العامة للكتاب ومكتبة الأسرة والهيئة العامة لقصور الثقافة وغيرها من إصدارات وزارة الثقافة ومعها بطبيعة الحال العديد من كتب التراث والمعاجم الشهيرة والكتب الأكاديمية الهامة كما ذكرنا في السطور السابقة وفضلا عن ذلك تشمل المكتبة عدة غرف للخدمات الفنية وقاعة للطفل وقاعة عامة للندوات والتي تتسع لعدد 200 مقعد وتصلح لعرض الأفلام والمؤتمرات والعروض المسرحية ايضا وقد قامت إدارة المكتبة بالعمل علي مواكبة أحدث الطرق التكنولوجية من خلال فهرسة كتبها وموضوعاتها وقامت بتحويل البيانات الخاصة بها لتكون وفقا للنظام المعروف عالميا بإسم أليس ALIS والذي يستخدمه مجلس الوزراء المصري وتطلب ذلك بذل جهود ضخمة من أجل تحقيق ذلك الهدف حيث أن نظام المكتبة لم يكن يدعم معيار مارك للتسجيلات الببليوجرافية لتصبح تلك هي نقطة الصعوبة في التحويل من النظام غير المعياري لكن بجهد القائمين عليها إستطاعت المكتبة تحويل بياناتها إلى معيار مارك وبذلك إستطاعت المكتبة أن تتغلب على التحديات الرقمية وعلي المصاعب التي فرضتها ضرورات العصر بمنتهى السلاسة كما أنه لا تقتصر الخدمات التي تقدمها المكتبة على الطلاب المصريين بل تخدم أيضا العرب والأجانب فالمعرفة هي رسالتها الأهم دون تمييز بين جنسية أو دين وبجانب ما إستحدث من نظم الفهرسة توفر المكتبة خدمات أخرى من أبرزها خدمة المعلومات بالتليفون والفاكس حيث يمكن لأي زائر أن يستعلم عما يريده من خلال وسائل التواصل التي تتيحها المكتبة بالإضافة إلى نادي تكنولوجيا المعلومات وكذلك تقديم خدمة البث الإنتقائي للمعلومات والإحاطة الجارية هذا إلى جانب إصدار سلسلة كتب ودراسات وتنظيم برنامج دورى للنشاط الثقافي والفني للكبار والصغار تقوم بتغطيته كل وسائل الإعلام المختلفة ويتبقي لنا أن نذكر أن عنوان المكتبة هو 15 شارع محمد مظهر بجزيرة الزمالك ويتميز بقربه من كلية الفنون الجميلة وكلية التربية الموسيقية وبعض مدارس اللغات والسفارات المختلفة مما يساهم فى تنوع فئات المستفيدين بالخدمات التي تقدمها المكتبة .

  







الثلاثاء، 14 يناير 2020

معابد الكرنك


معابد الكرنك :

مقدمة تاريخية موجزة :

تعتبر معابد الكرنك أكبر مجمّع معابد على وجه الأرض، و ما زال النقيب و البحث جار في هذا الموقع الذي يدهش علماء الأثار كما يدهش زائري المعبد .
حسب ما توصل إليه علماء الأثار فقد بدء العمل في بناء هذا المعبد الضخم في الدولة الوسطى سنة 2112 قبل الميلاد ، و حرص ملوك مصر منذ هذا التاريخ على إنشاء مبان لهم لتخليد ذكراهم و التقرب إلى أحد أهم آلهة مصر أمون رع ، و حتى بعد انتهاء الحقبة الفرعونية من تاريخ مصر استمرت الإضافات في المعبد في العصر اليوناني الروماني .
و يتميز معبد الكرنك بوجود العديد من طرق الكباش التي كانت تصل المعبد الرئيس للإله أمون رع بمعابد أخرى أشهرها معبد الأقصر و لكنه كما أسلفنا ليس طريق الكباش الوحيد فهناك العديد منها .
تماثيل الكباش :
إن أقدم تمثال بجسد أسد و رأس إنسان هو تمثال أبو الهول الشهير في هضبة الجيزة و الذي يرجع تاريخ بناءه لعصر الدولة القديمة و هو أضخم تمثال منحوت من قطعة واحدة من الحجر إلى وقتنا الحالي ، و منذ ذاك الوقت استمر النحات المصري في نحت تماثيل على هيئة أبو الهول و إهدائها إما للآلهة أو للحاكم فإن كانت مهداة إلى الملك فهي تحمل رأس إنسان ، و إن كانت مهداة إلى الإله فهي تحمل رأس الحيوان الذي يرمز للإله .
في معابد الكرنك نجد العديد من تماثيل أبو الهول تحمل رأس الكبش حيث أن الكبش كان رمزاً للإله آمون رع و كانت توضع على جانبي الطريق المؤدي من معبد الكرنك إلى المعابد الفرعية التي تشترك مع معبد الكرنك في الإحتفالات الدينية المقدسة العديدة في مصر القديمة و خاصة الدولة الحديثة حيث بلغ معبد الكرنك قمة الإزدهار و أصبح قبلة دينية هامّة و ترأس المعابد المصرية .
كما بينا سابقاً أن معبد الكرنك تم بناءه على مراحل منذ الدولة الوسطى و حتى إنتهاء الحقبة الفرعونية و كان الصرح الأخير من بناء الملك نختانبوالأول حوالي سنة 360 قبل الميلاد و تم وضع تماثيل الكباش أمام هذا الصرح و خلفه فيما يعرف بالفناء المفتوح الأول .
فحين يدخل الزائر حرم معبد الكرنك فيكون أول ما يلاقيه صفين من تماثيل الكباش يرجع أغلبها لعهد الملك رمسيس الثاني حوالي 1250 قبل الميلاد ثم يقف مدهوشاً أمام الصرح الأول و يدخل من البوابة إلى الفناء المفتوح الأول المكتظ بأثار من حقب مختلفة على جانبيه و منها تماثيل للكباش تعود إلى فترات مختلفة من الحقبة الفرعونية و منها تمثال يرجع إلى عصر الفرعون الذهبي توت عنخ آمون .
كانت هذه التماثيل في عهد الدولة الحديثة تصطف على جانبي المعبد أمام الصرح الثاني الذي بناه عدة ملوك من الأسرة ال18 و ال19 و تشكل ممر مقدس إلى داخل المعبد قبل أن يتم إضافة جزء جديد للمعبد في عصور مختلفة أخرها الصرح الأول للملك نختانبو الأول .
استيقظت مصر على خبر تم تأكيده من قبل وزارة السياحة و الأثار على لسان الأمين العام لمجلس الأثار الأعلى مصطفى وزيري بأنه بناءً على تعليمات رئيس الوزراء سيتم نقل 4 كباش من الفناء الأول لمعبد الكرنك ، و نحن كمهتمين بالتراث المصري و الحارسين للتراث الإنساني أجمع ( معبد الكرنك مدرج على قائمة التراث العالمي ) نرى أن هذا عبث ما بعده عبث بالأثار المصرية و الإنسانية ، فليس فقط نحن نخالف كل المواثيق الدولية التي وقعتها مصر للحفاظ على الأثار و لكن أيضاً نعرضها للتلف بوضعها في مكان لا يلائم الأثر من حيث درجة التلوث الهوائي الذي سيؤدي في غضون سنوات قليلة لتلف الأثر و إهلاكه .و لا هو بالمكان الآمن للحفاظ على كنز لا يقدر بثمن و نحن نعلم خطورة ترك أثر في الطريق قد يؤدي لسرقته و تعرضه لأيادي العابثين .

الخميس، 8 فبراير 2018

ماكينة طباعة





 فصل من زمانيات المحروسة
ماكينة طباعة



حين تسير في شارع الأزهر ترى العديد من المحال الصغيرة العتيقة تبيع الكتب التراثية و بعض من هذه المحال قد افترش جزءً من الرصيف ، أغلب ما يباع في هذه الحوانيت هي كتب دينية في المقام الأول منها الموسوعات القيمة و منها رخيص الثمن و المضمون .

حين تقلب في صور مصر بعيون المستشرقين سواء من عبر منهم و من أقام في المحروسة و رسم مشاهد يومية منها تتشابه كثيراً الصور القديمة مع ما نراه في عصرنا الحالي .

خان الزراكشة و آل صبيح :

واجهة خان الزراكشة مطلع القرن ال20


واجهته على شارع الأزهر ، واجهة فخمة مبهرة كان الخان من مجموعة مباني محمد بك أبو الذهب ثم استأجرته عائلة آل صبيح و هي من العائلات الرائدة في مجال طباعة كتب التراث الديني في مصر في نهاية القرن التاسع عشر
من إدارة الأوقاف و ما زال العقد سارياً إلى الآن .




عائلة صبيح هي عائلة مصرية عملت في الطباعة لقرابة قرنين من الزمان حتى قررت وقف نشاطها في مطلع الألفية الثانية و لم يبقى منها إلا ماكينة  طباعة ترجع إلى القرن التاسع عشر أدخلت عليها بعض تعديلات لتواكب العصر في الربع الأول من القرن العشرين .



الصور المتتالية لماكينة الطباعة تصوير سالي سليمان 2017






كانت مكتبة و دار طباعة آل صبيح مقصد علماء الأزهر و طلبته و كذلك المستشرقون و تم ذكرها كعلامة مميزة في العديد من المصادر و الكتابات سواءً من كتب عن الطباعة و تاريخها في مصر أو مشاهدات و مذكرات المستشرقين عن الأزهر و ما حوله .
الإمام محمد عبده :

كان من رواد هذه المكتبة الإمام و العالم محمد عبده و قال عنها ( إن مكتبتكم ركن من أركان الأزهر الشريف )
أما المؤسس محمد علي صبيح شرح لنا رسالته قائلاً
( إن أكبر خدمة لحياة الوطن المفدى بالروح و البنين ، نشر العلوم و المعارف بين العالمين ، و أعظم واسطة في هذا النشر طبع الكتب الثمينة عالية القدر ، لأن الزمان قد دار و سار ، وهب الكل يطلب و يتنافس في الصغار و الكبار )
لم يبقى لنا حين نبحث عن كنوز مصر نوثقها بالصورة و المعلومة قبل أن تختفي من واقعنا و تغيب للأبد من ذاكرة الأمة .
يحاول الكثير إخراج آخر فرد يقوم على ما تبقى من أثر لعائلة آل صبيح من خان الزراكشة و لكن نحن نرى غير ذلك ...لماذا لا نترك المكان لهم بضوابط لا تضر الأثر ؟
قصة مطبعة و مكتبة آل صبيح جزء من حكاية المكان ، و فصل من كتاب الزمان الذي لا يهرم في المحروسة .


المصادر :
تقارير لجنة حفظ الآثار العربية
تقارير مشروع القاهرة التاريخية
كتاب النشر العائلي في مصر  دكتور السعيد داود
شكر خاص :
تشكر البصًارة دكتور محمد حسن لتوفير أحد أهم المصادر التي اعتمدنا عليها .