رسالة اعتذار
إلى علي بهجت
أستاذي المحترم :
بعد التحية و السلام ووافر الإحترام .. أكتب إليك رسالة
علنية لك و لقارئي أتكلم فيها عنك و لك ، رسالتي إليك هي اعتذار مني اعتذار عن مصر، فاعتذاري لجهلي بمقامك و علمك لسنين طويلة ، فلم أعرفك حق
المعرفة إلا منذ سنوات قليلة حين بدأ شغفي بالأثار الإسلامية و التاريخ المعاصر ،
أما اعتذار مصر بلدك فلأن من تولى أمورها لم يكن في مقامها و لا مقام علمائها
فانشغلوا بتوافه الأمور و نسوا التعريف بقامات رفيعة مثلك لينزلوهم قدرهم الذي
يستحقون.. في بلد تستحق أكتر مما تعيشه في حقبة إمتدت لما يقرب من 60 سنة .
أعلم أستاذي أن الكثير مما سأكتبه لك لن يسرك فحال
تراثنا بائس و تولّى أمره من أهمله ، و من جهله و جهلنا و كأن هناك من يسعى لمحو
ذاكرتنا هل تعلم أن الكثير من جيلكم جيل الرواد لا يعرفه جيلنا و لا من جاءوا
بعدنا ؟
سأحكي عنك و اشتكي لك و يشاركني في خطابي قارئي فهذه
رسالة علنية ، أعلم أنك كنت ممن لا يسعون إلى الشهرة و لا المناصب مع كل ما فعلت و
كتبت و كشفت ، لكن حقك علينا أن يخلد اسمك ليس فقط في اسم شارع أطلقوا عليه اسمك في
الزمالك ... فهذا إن كان يرضيك لا يرضيني و لا أظن أنه يرضي قارئي فمقامك أرفع من
ذلك .
جيلكم استاذي كافح كثيراً لتنوير المصريين و
عانيتم من المحتلين و شققتم طريقاً الجم الأجنبي الغريب لكفاءتكم ، فتبوأتم مناصب
بشق الأنفس ليس حباً فيها و لكن لأنكم كنتم الأحق بها ، لكن جاء زمان تولّى أمرنا
من أهال التراب على تاريخكم الحافل و غيب ذكراكم و افعالكم في بحور من الجهل ، لكن
أتى وقت يحاول البعض الاًن أن يزيح التراب و يفك العصابة السوداء التي وضعوها على
أعيننا ، نتلمس خطاكم و نتزود من ذكراكم
علًنا نجد سبيلاً للخروج من هذا الجب المظلم و قد نكون سبباً لتمهيد الطريق لأجيال
بعدنا تصلح حال مصر التي عشقناها حتى الألم .
دعني أحدثك عن ما عرفته عنك ، أعلم أنك مصري من أصول
تركية ولدت في قرية بها العجوز في محافظة بني سويف سنة 1858م.
درست في القاهرة في مدرسة الناصرية ، ثم التجهيزية ، ثم التحقت بمدرسة المهندسخانة
التي لم تستهويك كثيراً فتركتها لتلتحق بمدرسة الألسن و تتخرج منها و أنت تتقن
اللغات العربية ، و الألمانية ، و التركية و الفرنسية ثم درست الإنجليزية بعد
تخرجك ، كما علمت أن الشيخ حسونة النواوي
و الذي أصبح فيما بعد شيخاً للأزهر كان أحد أستاذتك و تأثرت به كثيراً ليس فقط
بسبب علمه و لكن بسبب خلقه .
الشيخ حسونة النواوي
بدأت حياتك العملية مدرساً للغة الفرنسية ثم
مفتشاً لنفس اللغة في عدة مدارس ، منها
المدرسة الخديوية ثم أصبحت رئيساً لقلم الترجمة في نظارة المعارف و أنك انتدبت من
قبل رؤسائك للعمل مع البعثة الفرنسية
للاثار بجوار عملك الحكومي لتقوم بترجمة النصوص العربية المنقوشة على اثارنا لهم
، فزاملت العالم الكبير كازانوفا أحد
الاباء المؤسسين من الأجانب في دراسات الأثار الإسلامية في مصر .... و لم تكن تعلم
أنك ستكون في يوم ليس ببعيد الرائد المصري الأول لنفس العلم .. و لكنها الأقدار و
كأن الله اراد لك طريقاً اخر غير مهنة التدريس و الترجمة ... و هنا أريد أن أسألك
أبدأ شغفك بالاثار حينها ؟ أم قبل انتدابك ؟ فحين كنت ابحث عنك بين سطور الكتب لم
أجد ما يدلني على نقطة البدء !
نعود مرة أخرى لقلم الترجمة في نظارة المعارف و
الذي كنت ترأسه ووضعك منصبك هذا في وجه المستشار الإنجليزي دوجلاس دانلوب و الذي
كان معروفاً بصلفه و عجرفته و تدخله في شئون النظارة و عملك بها و لم تقبل أنت ، و توالت الصدامات بينكما فقررت ان تفضح ممارساته
على صفحات جريدة المؤيد و تكتب ما كان يخفى على العامّة من تصرفات هذا الدانلوب و
كانت مقالاتك بدون إمضاء ....إلا أن دانلوب لم يكن من العسير عليه بعد أن فضحت
ممارساته أن يعرف من كاتب المقالات و كاد
أن يقيلك من منصبك و ينهي عملك تماماً في الحكومة لولا أن تدخل يعقوب أرتين باشا
وكيل نظارة المعارف و كان عضواً باللجنة العربية لحفظ الاثار و عينك في اللجنة و
رشحك لتولي منصب مدير دار حفظ الأثار العربية و الذي كان حينها في جامع الحكام
بأمر الله ، و مرة أخرى يتدخل أجنبي اخر ليقتنص منك منصب الإدراة ، و كان هذا
الأجنبي هو هيرتس بك كبير مهندسي لجنة حفظ الاثار العربية فأخذ المنصب له و عينك و
كيلاً له ... غضبت أنت و كدت أن تترك العمل و تحال للمعاش إلا أن كفاءتك في العمل
جعلت رؤساءك يتمسكون بك ، و أكملت الطريق ، و أكلمت العطاء .
يعقوب أرتين باشا
دار الاثار العربية في مسجد الحاكم بأمر الله
انتقل المتحف إلى المقر الجديد سنة 1903 م في
باب الخلق و استمر الوضع على ما هو عليه مرؤوساً من هيرتس بك و لم يكن يحسن
معاملتك و يثقل عليك بالعمل الكثير لكنك أثبت له أنك كفؤ... بل أحياناً تفوقت عليه
في العمل ، فلم يأتمن غيرك على ترجمة دليل المتحف و ايضاً ترجمة كتابه عن السلطان
حسن من اللغة الفرنسية إلى العربية ، لم تكن المضايقات فقط من الأجانب و لكن أيضاً
من بعض المصريين مثل علي باشا مبارك الذي وصفت أنت العمل معه بأنه عمل كالسخرة ، فقد حملك علي باشا مبارك أن تعد المادة
العلمية لمؤلفه الأشهر الخطط التوفيقية و لكنه أغمط حقك و لم يذكر اسمك في موسوعته
!!
كيف تحملت هذا استاذي الم تحبط ؟ ألم تيأس ؟ كيف كنت ترتب وقتك و تنظمه بين
عملك في اللجنة العربية و عملك في المتحف و ترجماتك و أبحاثك ؟
دار الأثار العربية في باب الخلق
دار الأثار العربية من الداخل
حاولت جاهدة أستاذي ان أحصي قدر ما استطعت مما أنجزته
فللأسف أغلبه ليس متاح للإطلاع عليه فاعذرني إن لم أكتب كل مؤلفاتك و أبحاثك :
1- تحقيق مخطوطة صبح الأعشى للقلشندي و قدمت
عنه بحثاً في مؤتمر المستشرقين في روما سنة 1899 م مما لفت الإنتباه له فقررت دار
المخطوطات الخديوية طباعته و اصبح بين أيدينا اليوم .
2- اكتشاف وثيقة زواج مينو قائد الجيش
الفرنسي من زبيدة الرشيدية و تقصيك لعائلة زبيدة و تتبع أخبارها .
3- اكتشافك في مكتبة اكسفورد لمخطوط ديوان
الرسائل لابي القاسم بن منجب بن سليمان و هو من أهم كتب الرسائل في الدولة
الفاطمية ، فنسخت المخطوط بيدك و قدمت له شرحاً و طبعته في كتاب على نفقتك الخاصة
سنة 1905 م .
4- ترجمة أول دليل لمتحف الاثار العربية .
5- ترجمة محاضر لجنة حفظ الأثار العربية .
6- كتابة قاموس الأمكنة التي ورد ذكرها في
الفتوح .
7- أبحاثك عن خانقاه الأشرف برسباي و بابه
المكفت بالخانكة محافظة القليوبية .
8- كتابك عن الفسطاط مع ألبير جبريل .
9– بحثك عن الرنوك المملوكية .
10-بحث عن البيمارستان المنصوري .
11- بحث عن صناعة النسيج بمصر في العصر
الوسيط
12- بحث عن احتلال دمياط إبان الحروب
الصليبية السادسة .
13 – مشاركاتك المستمرة في مؤتمرات
المستشرقين في اروربا و تقديم أبحاث بها عن مصر .
هذا بعض ما استطعت أن أجمعه من أعمالك فعذراً
للتقصير .
الغلاف الخارجي كتاب السلطان حسن كتبه هيرتس بك بالفرنسية و قام بتعريبه علي بك بهجت
الصفحة الأولى من كتاب السلطان حسن و به إسم علي بك بهجت
اسمحلي أستاذي أن أتكلم عن بعض خطاباتك مع
صديقك و تلميذك الباحث العالم ماكس فان برشيم أو كما كنت تسميه أنت وانبرخيم و التي أبكيتني و اضحكتني فيها كثيراً ، فهذه
العلاقة التي ابتدأت مع الباحث ماكس السويسري و الذي كان يعمل على توثيق الخطوط العربية
في مصر و العالم الإسلامي و كان مهموماً بحال الأثار الإسلامية فشاركك شغفك فبدأت
بينكم علاقة استاذ بتلميذه تفض عليه من علمك ....و تطورت مع الايام لتصبح صداقة
استمرت 33 سنة أثمرت عن اعمال عظيمة فلم تكن فقط تعلمه البحث في الاثار الاسلامية
و لكنك ايضاً كنت تدربه على اللهجة العامية فكانت خطاباتكم مزجاً بين علم الأثار و
علم الأساطير الشعبية تتنقلا فيها ببراعة بين اللغة الفرنسية و اللغة العامية
المصرية بلهجاتها المختلفة .
من خطاباتكم و لقاءاتكم تشاركتما الحلم في
توثيق اثار العالم الإسلامي بدأتما بالقاهرة و أنجزتما موسوعة عن القاهرة سوياً و
سافرت أنت و هو كل منكما على حدة لتوثيق الأثار في عدة بلدان فزرت أنت الاراضي
الحجازية ، القدس ، الخليل ، حيفا ، بيت لحم ، دمشق ، بيروت ، بعبلبك و زحلة .
فكان هذا الجزء نواة لمؤسسة أنشاتها ابنة
ماكس برشيم في جينيف بسويسرا سنة 1973م بعد وفاتكما سميت باسمه مؤسسة ماكس فان برشيم
للدراسات العربية و الخطوط و الأثار الإسلامية .
الباحث المستشرق ماكس فان برشيم
استمرت خطاباتكم بإمدادي بمعلومات عنك فرأيتك
مرات تستخدم لغة كتب التراث ، و مرات لا عد لها تستخدم اللهجة العامية المصرية و
أحياناً تمزج بين الإثنين مثل هذه الفقرة :
( بعد اهداء السلام اللائق بالمقام ، أخبر
حضرتكم إني بعد ما فتك رحت الديوان ، فقال لي حضرت نجيب بك : تحب تسافر دلوقت و لا قدام شوية ؟ فقلت في
نفسي بما إن مسيو وانبرخم مسافر أنا كمان أسافر ، و على كده أخدت مصاريف التذكرة
لحد بني سويف و مشي بينا الوابور الساعة 8 و نصف ماجت الساعة 11 ونصف الا و احنا
في بني سويف نزلت من الوابور و مشيت على
المدرسة .. أقول لك إيه و أعيد لك ايه أصل البنيان بتاعها ورشة قماش قديمة من مدة
محمد علي ، و فيها أود من
غير عدد و التلامذة في قلبها مش باينين ... النهاية لما
دخلت المدرسة فضلت أدور على الناظر سلقط ملقط ...... ) .
و في خطاب أخر كم كنت رقيقاً في التنبيه على
تلميذك حرصاً منك أن لا يقع في أي خطأ و هو يكتب مادته العلمية فقلت له :
(أنا مستعد لأي خدمة تطلبها ، فاكتب لي أجيبك على الفور ، فإني لا أحب أن تظهر شيئاً قبل أخذ رأيي فيه فتغلط لا سمح الله كما
(أنا مستعد لأي خدمة تطلبها ، فاكتب لي أجيبك على الفور ، فإني لا أحب أن تظهر شيئاً قبل أخذ رأيي فيه فتغلط لا سمح الله كما
يغلط الأخرون )
أما عن تواضعك فيظهر جلياً حين تبعث بخطاب
إلى ماكس تساله عن رأيه في كتابك المنشور و الذي اشاد به الباحثين و هو
كتاب قانون ديوان الرسائل
:
(و إني أنتظر أن تقول لي قرأته و تخبرني بملاحظاتك عليه ، و ما الذي تفكر
فيه هل هو معمول كاللازم أو فيه عيب ؟ ) و بالفعل تم نشر الكتاب و لكن ما لم تكتبه في هذه الرسالة هو كشفك أيضاً عن
بعض أجزاء سور صلاح الدين الأيوبي .
و الان أستاذي دعنا نتكلم عن كشفك الأعظم مدينة الفسطاط التي بدأت رحلة كشفك لها سنة 1912 م و لمن لا يعلم أن كشف
الفسطاط لا يقل أهيمة عن كشف مدينة منف أو اي من المدن المصرية القديمة ، و حين أتأمل ظروف هذا الكشف أشعر و كأن السماء قد أرشدتك إلى هذا الكشف ليكون لك سلواناً عن حوادث فَقْد أثرت فيك و حفرت على قلبك أخاديد الحزن ، بدأت بتغييب الموت زوجتك الحبيبة ثم أخاك و ووالدك و أخيراً ابنك محمود ، لن أحكي أنا عن كشفك عن دروب و بيوت الفسطاط ستتكلم أنت عنه من خلال خطابك الذي ارسلته لماكس برشيم فقلت له :
( إنني كما تعلم مشتغل بالفسطاط و بدار الأثار ، أما الفسطاط فعملي فيها قد أتى لله الحمد مسلياً نوعاً ما ، شاغلاً معظم وقتي ، فقد كشفت فيها جانباً عظيماً و خططنه ، و ابنت الطرق و الحواري ، و الخوخات ، و رسمت كل ذلك في خارطة ، ثم قرأت ابن دقماق و المقريزي و غيرهما من الكتب التي تكلمت عن الفسطاط ، و لخصت من ذلك رسالة في وصف المدينة و ما كانت عليه ، ثم اّلت إليه ، و أتعشم أني وفيتها حظها من البحث ، و سأطبع هذا البحث على حدة في شتاء العام المقبل ، و سيكون في هذا الكتاب ايضاً خريطة المدينة المكشوفة ، ورسم لبعض دور المدينة و أتكلم عن تخطيطها و ترتيبها و لكني سأستعين في هذا العمل الفني بأحد المهندسين أرباب الفن و هذا العمل ينتهي إن شاء الله الشتاء الاّتي )
الصورة لأعمال الحفريات التي قام بها علي بك بهجت للكشف عن مدينة الفسطاط
صورة توضح أطلال مدينة الفسطاط
هل تود أستاذي أن تعرف حال الفسطاط الأن و
حال هذا الجزء الذي اكتشفته من سور صلاح الدين ؟ سأخبرك لأنك يجب أن تعلم .. لقد
أهملوا الفسطاط و تركوها تصبح خرائب تنبت بها الأعشاب و ترعى فيها الهوام و تغرق
في المياه الجوفية أما السور فقررت حكومات مصر انشاء حديقة لا يدخلها أحد على جزء
من سور صلاح الدين ، و ما زالت الجرائم مستمرة و نحن فرادى نحاول أن نوقف التعديات
بكل السبل المشروعة المتاحة أمامنا ، و نحن نعلم أنها معركة غير متكافئة بيننا و
بين الحكومة و لكني مرة أخرى أجدني أستلهم منك الطاقة و الجلد فلم يكن عملك في
الفسطاط هيناً ، أنت أيضاً واجهت صعوبات
جمة حتى سمح لك بالتنقيب ... الم اقل لك أن في اخباركم سلوى لنا !
صورة حديثة للفسطاط و يظهر أعلى الصورة التعدي بالبناء على موقع الفسطاط الأثري و في منتصف الصورة يظهر أرتفاع منسوب المياه الجوفية ، أما أسفل الصورة أطلال أحد البيوت التي ترجع للعصر الطولوني
صورة حديثة للفسطاط و تظهر بصورة واضحة انتشار النباتات الضارة بالموقع الأثري
في هذا الجزء من رسالتي لك سأترك الأثار
جانباً لنتكلم عن ملمح اخر من شخصيتك فأنت كنت مصري وطني لم يكن لك عمل سياسي
مباشر كبعض السياسين المصريين في وقتكم لمجابهة الاحتلال بشكل مباشر ، و لكنك كنت مساهماً بشكل غير مباشر في الحركة
الوطنية المصرية ...
حين تأزمت أحوال النخبة السياسية في مناهضة
الاحتلال الإنجليزي و تم التضييق عليهم في مصر فتحت أنت لهم الباب عن طريق صديقك
ماكس برشيم لسويسرا لأنها كانت على الحياد في المسألة المصرية فسهلت لأحمد لطفي
السيد و لمحمد فريد و غيرهم السفر ، و من هناك حاولوا لفترة تحريك الموقف لصالح مصر
و عاد من عاد منهم ليستكمل الطريق .
علمت أيضاً أنك لم تكن عضواً فاعلاً في أي حركة سياسية و لكنك تعاطفت مع الحركة العرابية ثم تفاعلت مع ثورة 1919م و أرى أن عدم انخراطك في السياسة بشكل
مباشر أفادنا نحن لأنك قررت أن معركتك الحقيقية و التي ستصلح فيها ، هي حقل الاثار و
الحفاظ على الهوية و صوْن كنوز مصر من النهب .
كنت ثاني مدير يتولى دار الأثار العربية بعد
رحيل هرتس بك إبان الحرب العالمية الأولى و كنت أول مدير مصري يدير هذا الصرح
فأضفت له الكثير و تزايد عدد المعروضات في المتحف بعد كشوفاتك في الفسطاط و غيرها ، و هي من أنفس المعروضات في المتحف إلى الان .
كما أن اسهاماتك في لجنة حفظ الاثار العربية و أبحاثك التي قدمتها في
المجمع العلمي المصري و الذي كنت فيه عضواً بارزاً و مشاركاتك في مؤتمرات
المستشرقين في عدة بلدان بأروبا قد أفادت أجيالا بعدك مصريين و اجانب و مهدت
الطريق لعظماء اخرين استلموا الراية و أكملوا الطريق .
لم يكن طريقك هينا ً سهلاً و أنك كثيراً فكرت في
أن تترك كل شئ و ترحل عن مصر .. راودتك فكرة الهجرة كثيراً و لكن أكملت رسالتك في مصر و انهيت بها حياتك .. هل تعلم كم
منا اليوم ترك مصر ؟ و هل تعلم أني كثيراً ما راودتني و راودت غيري نفس الفكرة بأن
نرحل ؟ و لكن حب هذه البلد اصبح تعويذة او طلسماً لا فكاك منه و يظل بها شيئاً ما
ساحراً أو ساخراً يربطنا بالأرض .
مع كل الصعوبات و الإنكسارات قاومت حتى جاءك الخبر
المفزع عن انتحار صديقك ماكس في سويسرا سنة 1921 و كأن قلبك كان قد اكتفى من لوعات
الفَقْد فلم يكن بك جَهد للمقاومة أكثر من ثلاث سنوات ثم لحقت به سنة 1924 في بيتك بالمطرية الذي بنيته و
أثثته على الطراز العربي سارت جنازتك خلواً من أي مسئول رسمي شيعك فقط أصحابك و أقاربك إلى حيث اخترت يوماً مقبرتك بجوار مسجد قايتباي بصحراء المماليك فوريت
التراب بجوار مباني افنيت عمرك في دراستها .
مسجد و قبة ضريح قايتباي بقرافة المماليك و الذي يقع قبر علي بك بهجت إلى جواره
حين أدخل المتحف الاسلامي أتذكرك و أتمنى هم
أن يتذكروك من حق هذه الأجيال أن تعرفك كما عرفتك أنا ، من حق هذه الأجيال و من
سيأتي بعدنا أن يزور قبرك ليشكرك و يقرا عليك القصيدة التي كتبها أحمد شوقي ينعيك
فيها و استهلها بهذا البيت الرائع :
أحقُّ أنهم دفنوا عليَّا وحطُّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟
أستاذي أطلت عليك و لكن شكراً لك على كل ما قدمته لنا و في الختام لك مني أطيب السلام و
عظيم الامتنان من معشوقتك المحروسة .
تحديث :
تم هدم مقبرة العالم الجليل علي بهجت
في
2021
صورة اللافتة و صورة الهدم عدسة الأستاذ تامر المنشاوي
المصادر :
كتاب أنور لوقا / علي بهجت أول أثري مصري
Who’s pharaoh : Donald Malcom Reid
مقال علي بهجت رائد من رواد المدرسة الوطنية لعلم
المصريات / وائل ابراهيم الدسوقي
علي بهجت
الأثري و المجمع العلمي / حسين فوزي
حفريات الفسطاط / علي بهجت – ألبير جبرييل
حكاية مكتشف
الفسطاط / دكتور عماد أبو غازي
The
official web site of : M.V.B foundation
شكر خاص :
مركز طارق والي للعمارة و التراث
الصور :
الصور الحديثة من تصوير سالي سليمان
الصور القديمة :
من أرشيف مركز طارق والي
رسالة من سالي سليمان إلى رائد من رواد الاثار الاسلامية علي بهجت
ردحذفرسالة من حاضر إلى الغائب ..
تسجيل وتوثيق يكمل منظومة الرواد الاثريين ضمت سابقين ومنتظري لاحقين من البصارة وسالي سليمان لتتكامل مع الرواد المعماريين التي نتيناها .. ضمن الحركة الوطنية في بداية القرن العشرين وبداية الحراك الليبرالي المصري ومقاومة الاجنبي كل واحد في موقعه ومجاله وزمانه
وما نسميه اصطلاحاً ومعنى بــ " زمانيات مصرية "
تحية وتقدير لكل عمل جاد تقدمه البصارة وسالي سليمان نعتبره اضافة للمنظومة التوثيقية المستدامة
طارق والي
شكراً يا دكتور و أشكرك دائماً على تشجيعك و دعمك للبصّارة و فتح مكتبتك و أرشيفك للبصّارة
حذفاسلوب راقى ورائع جدا وتحليل وتسلسل وانتقال عبر الافكار والسطور لترسم امام القارىء صورة واضحة المعالم عن ذلك العملاق المجهول تماما بالنسبة لى
حذفوكيف لشخصية بمثل هذا الثراء تجهل ولا توضع فى موضع
رفيع فى عقول اجيالنا ؟
كل التحية لشخصك الكريم استاذة سالى لقد اصبحت الان بفضل كتاباتك مفتون وهائم فى حب وعشق الاثار
ولكن مصر ترغب فى ادارة ظهرها للاثار وتنظر اليها على
انها حال بينها وبين الاستغلال الامثل للاراضى لتصبح غابات اسمنتية ---للاسف لا امل امام طغيان وسلطان المال والرغبة الجامحة لتحقيق الثروات الطائلة ولو على حساب تاريخ واثار مصر
هايل الشغل ده ..
ردحذفعجبني جداً تناول الجانب العلمي و الإنساني لعلي بهجت ، طريقة الرسالة اللي استخدمتيها خلتنا نتعرف على مشروعه العلمي و في نفس الوقت على معاناته كإنسان مصري بيكافح عشان يفضل عايش في المحروسة ..
حاجة كمان ، علاقته بماكس برشيم و تسهيله لسفر فريد و عيره لأوروبا ليهم دلالة كبيرة ، إزاي كان بهجت فاهم كويس طبيعة دوره الوطني من غير ما ينخرط في السياسة بشكل مباشر .. تحياتي و تسلم ايديكي على البحث العظيم ده :)
شكراً جزيلاً
حذفكل الشكر والتقدير للعزيزه سالي سليمان والبصاره علي هذا العمل الثقافي الرائع!!
ردحذفسامح ابراهيم
بجد ألف شكر قليلة علي الجهد ف توثيق تاريخ مصر ومؤرخيها - كل ماقرا بحثك ف التاريخ يزداد يقيني اننا مادرسناش تاريخ ف المدرسة - درسنا بدنجان!
ردحذفالف الف شكر على المعلومات الرائعه
ردحذفامثال حضرتك ربنا يبارك فيهم هم الامتداد للجيل المؤسس
لازم نعرف قيمه بلدنا بأبنائها
وحضرتك خير دليل على هذه القيمه
اكثر الله من امثالك وبارك فيهم وزادهم من علمه
شكراً جزلاً على الإطراء و اتمنى أن أكون على قدر المسئولية لأوفي هؤلاء العظماء حقهم
حذفبارك الله فيك
ردحذفعظيم المقال. شكرا لتعريفنا برائد لم نكن لنعرفه لولاك.
ردحذفشكرا علي التعريف ب علي بهجت و المجهود العظيم ... عندهم حق يسموك " الملكة".
ردحذفشكراً جزيلا
حذفشكرا لك سالى
ردحذفورحمة الله على عالمنا الجليل
شكرا جزيلا استاذه سالى على كلامك الرائع فى حق جدى على بهجت اغا ،، رحمة الله واسكنه فسيح جناته بغير حساب ولا سابقة عذاب
ردحذف