الخميس، 31 أغسطس 2017

الحج في القرن التاسع عشر


مقتطف من كتاب مصر في التاسع عشر
حج محمد علي و إبراهيم باشا 

 في سنة 1814 م أرادت أمينة هانم زوج محمد علي أن تؤدي فريضة الحج ،  فوصلت إلى جدة و حملت إلى مكة في عربة مقفلة يجرها اثنان من جياد الخيل و نقلت أمتعتها إلى مكة على 500 جمل فكانت هذه الأمتعة من الجلال و الفخامة بحيث تليق بالملوك ، و نصب صيوانها في سهل عرفات فكان أفخم و أجمل ما نصب في هذا المكان من الصواوين ، وضربت بالقرب منها اثنتي عشرة خيمة لنزول صاحباتها ، و كان يحيط بهذه الصواوين سياج من قماش الكتان محيطة 800 خطوة و يقف الأغوات بباب هذا السياج بملابسهم المزركشة الجميلة ، أما الرجال من حاشيتها فقد نصبوا خيامهم حول السياج من الخارج و كان نقش الصواوين و تطريزها و تنوع ألوانها مما يحار العقل في تصويره و يعجز اللسان عن وصفه .و عوّل محمد علي على أداء فريضة الحج فأحرم بشالين كبيرين من الكشمير الابيض ، ثم امتطى جواداً و هو مكشوف الرأس للسعي بين الصفا و المروة ، و كان أحد كبار الجند يظله وقتئذ بظلة .و فرح الأهلون بفخامة المحمل المصري و ما أحاط به من مظاهر الأبهة و الجلال و أعجبوا بمنظر جنود الحرس ، و علقت مائة مصباح كبير في وادي منى للإرشاد إلى موقع مخيم محمد علي ، و أنشأ أمام صيوانه حوضين كبيرين ليستقي الحجاج منهما ما شاءوا ، وصف أثني عشرة مدفعاً لإطلاق النار ، و علق جثتين من العربان سلبا أحد الحجاج 300 قرش و 12 جمل !
و قد زاره كبار الأعيان ممن كانوا يحجون من جميع الأقطار  و قاضي مكة و و أدوا  فروض التعظيم و الإجلال و تشرف رؤساء الجند و كبار القواد بلثم يده .

الحاج ابراهيم بن محمد علي :وصل ابراهيم باشا إلى الحرم النبوي فنظر إلى قبته الرصاصية العالية تعلوها أكرة مذهبة فوقها هلال مذهب ، فقام بما هو مفروض على كل مسلم في العالم أن يؤديه من شعائر الزيارة ، و كان رجال حرسه قبل وصولهم قد تطهروا  و تضمخوا بالمواد العطرية .أطال إبراهيم النظر في جهة من الحرم كان بها مئذنة كان بلال الحبشي يدعو منها إلى الصلاة ، ثم صعد في الدرج المؤدي إلى الباب المسمى الاّن باب السلام ، و ذكر السمهودي أنه كان يسمّى قبلاً بباب مروان ، فشهد جوانبه المكسوة بالمرمر و نقوشه البارزة ، و اجتاز بقدمه اليمنى عتبه المبلط بالرخام الجميل ... ثم سار متحرك الشفتين بالأدعية و الصلوات في طريق فرش بالحصر و حفت به أعمدة من الحجر متصلة الإسطوانات بالأرض متجهاً نحو الروضة ، فركع أربع ركعات على سجادة صوف في الصف الأول من الحاجز الموازي للجدار الجنوبي ،  ثم تقدم بسكون و تؤده نحو الشباك الأخضر الذي يليه الضريح النبوي ، فوقف أمامه باسطاً يديه مسلماً بقوله : السلام عليك يا محمد .. السلام عليك يا رسول الله .قضى ابراهيم بضع دقائق في التأمل ثم تراجع إلى الخلف ثلاث خطوات و ركع أربع ركعات أخرى ثم تقدم نحو الشباك الأيسر ليسلم على أبي بكر الصديق ثم إلى الشباك الذي يقابل ضريح عمر بن الخطاب .توسل ابراهيم أمام الأضرحة الشريفة أن يشتت شمل الأعداء ( الوهابيين ) و يجعل جهنم باءة لهم .
دعى له إمام الحرم النبي بالنصر و أمّن على دعائه ابراهيم و أقسم أن لا يدخل السيف في غمده إلا إذا فتك و أفناهم ، و أن يعتق إذا ما كلل بالنصر جميع ما ملكت يمينه من الأرقاء بيضاً وسوداً ، و الا يشرب ما بقي حياً خمراً أو شراباً حرمه القراّن ، و أن يذبح 3000 كبش على جبل عرفات ..... ثم وضع على الضريح النبوي عقداً ثميناً من الجواهر كانت سلمته له والدته أمينه هانم لإهداؤه إلى الضريح الشريف .

و أجزل ابراهيم العطاء لكل من قابله في الحرم .

فتعالت الأدعية لإبراهيم داخل الحرم و خارجه و ما من مسكين إلا و اطلق لسانه بصالح الدعوات له بالنصر .

ثم خرج و زار قبور البقيع و دعا و صلّى أمام قبور اّل البيت النبوي و منهم إبراهيم بن النبي و بعض نساء البيت الشريف و وقف أمام قبر العباس بن المطلب ثم الإمام مالك بن أنس و عثمان بن عفان و الحسن بن علي  .

 
 
المصدر :
مصر في القرن التاسع عشر تأليف: أدوار جوان و تعريب : محمد مسعود و أمر بتعريبه سمو الأمير يوسف كمال  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق