هل يخطئ الميزان ؟
الأوله يا نبى
يا محرر الإنسان
يا بلسم المُبتلى
يا نجدة الغلبان
كرمت صنف البشر
عن طايفة الحيوان
ورفعت سيف الهدى
عالي على الطغيان
وزعقت يا أمتى
.. فى سائر الأزمان
الظلم يوم لو حكم
.. والحق يوم لو هان
يحرم عليك المطر
والفي والعمران
تسرح بحورك عطش
.. فى الزرع والإنسان
النور يغور م السما
.. وجه القمر ما يبان
والشوف يضيع فى
العما والضلمة والأحزان
والخوف يطيح فى
البشر من قسوة السجان
الناس تخاف بعضها
.. وتخوف السلطان
فجر الضمير :
عرف المصري القديم منذ فجر تاريخه الماعت .
ماعت لم تكن مجرد إلهة مثل باقي اّلهة مصر
القديمة و إن تجسدت على هيئة امرأة تضع فوق رأسها ريشة .
ماعت هي فكرة و مفهوم أعم من أن تختزل فقط في
كلمة واحدة ، هي نظام شامل يحقق التوازن في كل شئ و بين الجميع بين
الاّلهة و
الإنسان ، بين الحاكم و المحكوم ، بين الإنسان و ماحوله من مخلوقات أخرى .
ماعت هي الضمير و الميزان فإن خرب الضمير و
اختل الميزان انهار كل شئ و عمّت الفوضى و حل الظلام .
في أدب مصر الفرعونية وصل إلينا الكثير من حكم و مواعظ تذكر الفرعون
بما حل بالبلاد حين فرّط من سبقوه في نظام الماعت ، حين نسي الحكّام القسم على
احترام دستور الماعت فغابت البلاد في سنوات طالت من الفوضى و عدم الإستقرار
قالوا له ( تذكّر لقد أصبح اللصوص أغنياء ، و
أنّ الشعب من الفقر ، وإعوج القضاء ، و كثرت البطالة .. ) .
كثيرة هي النصوص التي وصلتنا من مصر القديمة
تحدثنا عن الماعت من صان و من خان .. تؤكد لنا أن الفرعون كان من أهم واجباته بل
الأهم على الإطلاق إنفاذ قوانين الماعت ، و التأكد أن لا ظلم هناك قد وقع ، تذكره
و تذكرنا أن الحق و العدل و المساواة هي الأمانة التي حمّلها الإله للفرعون من
السماء إلى الأرض .. و هي التي سيقف يوماّ ما ليسأل عنها أمام القاضي الأعظم .
ما
أن نذكر كلمة فرعون إلا و يقفز إلى الأذهان تلك الصورة النمطية لشخص متكبّر جبّار
، تلك الصورة التي رسموها لنا و توارثناها عقوداّ طويلة ،
و تسربت إلى أمثالنا الشعبية .
كان الفرعون هو ممثل الإله في أحيان كثيرة ..
يخطر على بالي كثيراّ و يلح السؤال أو ليس
الإله عادلاّ ؟!! أو ليس الذي يحكم باسم الإله عادلاّ ؟!! أو ليس الذي يحكم سيقف
يوماّ ما أمام الإله العادل ليسأله كيف حكمت و هل كان حكمك عادلاّ ؟!! .
في كتب التاريخ كثيرة هي القصص المنسية سهواّ
أو عمداّ ، تحكي عن عدالة الفرعون و أمثلة
العدول كثيرة ، منها ما صيغ على شكل حكمة أو قصة أو حتى حدث تاريخي هام غفل عنه
الكثير.. فمثلاّ :
من نصائح خيتي ( فرعون) لإبنه مري كا رع
(فرعون) 2120-2050 ق.م : احكم بالعدل على الأرض ، ارفع أسى الباكين ، لا تعزل
قاضياّ من منصبه إلا لسبب مشروع .
قصة الفلاح الفصيح
التي حوّلها المبدع شادي عبد السلام إلى فيلم
تسجيلي رائع في سبعينيات القرن العشرين الذي أبدع فيه اسمعه و هو يخاطب
الفرعون بأعلى صوته
قل الحق ، افعل
العدل ، فالعدل قوة و الحق شئٌ عظيم ، فكلاهما راسخ رسوخ الجبال الشوامخ ، شكوت أمري
إليك فلم تصغ إلى طلبي ، و صممت أذنك ، و لذا فإني ارفع مظلمتي إلى إله الأموات أوزير
فقرات من خطاب أرسله الفرعون تحتمس الثالث
إلى وزيره الأكبر رخمي رع ( و هو منصب
يشابه رئيس الوزراء الاّن ) سنة 1479 ق.م :
1- احكم بالعدل لأن التحيز عدوان على الاّلهة
.
2-عامل من تعرفه معاملة من لا تعرفه و المقرب
من الملك كالبعيد عنه .
3-إن الناس ينتظرون العدل في كل تصرفات
الوزير ، و هي سُنّة العدل المعروفة .
-و اذا قرأنا قوانين حور محب 1308 ق.م فيتبين لنا ان الفرعون اشترط لتعيين القاضي أن يكون من احسن الناس خُلقاّ ، و اكرمهم سيرة ، بل من واجبات الفرعون أن يتأكد هو أن القاضي قد حكم بالعدل و يعاقب كل قاضي مخطئ و اي شاهد زور و تتدرج العقوبات من العزل حتى الإعدام حسب الجرم الذي ارتكبه القاضي .
-و اذا قرأنا قوانين حور محب 1308 ق.م فيتبين لنا ان الفرعون اشترط لتعيين القاضي أن يكون من احسن الناس خُلقاّ ، و اكرمهم سيرة ، بل من واجبات الفرعون أن يتأكد هو أن القاضي قد حكم بالعدل و يعاقب كل قاضي مخطئ و اي شاهد زور و تتدرج العقوبات من العزل حتى الإعدام حسب الجرم الذي ارتكبه القاضي .
فالقاضي هو لسان ماعت و ماعت هي الحق المطلق
.
كتب ديودور الصقلي في
أواخر القرن الأول قبل الميلاد و مطلع
القرن الأول بعد الميلا د أنه اندهش كثيراّ حين علم أن فراعنة مصر لم يكن لهم الحق
في معاقبة أي مخطئ بلا محاكمة لأنه بار بقسمه للماعت .
فأي فرعون هذا الذي يعلم أنه سيوزن قلبه أمام
ماعت في العالم الاّخر و سيساءل عن عدله في الحكم أمام القاضي الأكبر !!
مؤامرة الحريم :
من الأحداث التاريخية الهامّة في مصر القديمة
قضية اشتهرت في البرديات التي وصلتنا بمؤامرة الحريم ، وجدت مكتوبة تفصيلاّ في بردية
تورين القضائية ، و بردية لي و رولن ، و بردية هاريس ترجمها العديد من اساتذة
اللغة و علم المصريات مثل الأستاذ بريستد ، الأستاذ جاردنر ، الأستاذ دي باك و الأستاذ سليم حسن .
أبطال هذه القصة الملك رمسيس الثالث 1100 ق.م
( الضحية )
زوجته الثانية الملكة تي و ابنهما الأمير
بنتاور ( مدبرين )
و حوالي 40 شخصاّ من المتهمين في هذه
المؤامرة منهم رجال من الجيش ، و الشرطة ، و الكهنة ، و السحرة و أفراد من حاشية
القصر المقربين من الملك رمسيس الثالث .
قبل أن نسرد تفاصيل هذه المؤامرة دعونا نرجع
إلى عهد رمسيس الثالث لنرى كيف كان وضع مصر وقتها ..بعد فترة قصيرة من حكم رمسيس
الثالث تعرضت حدود مصر الشرقية و الشمالية إلى غزوات متلاحقة و شرسة من مجموعات
يطلق عليهم شعوب البحر و كادوا أن يحتلوا أجزاء من مصر ، حاربهم الملك في عدة
معارك أحداها كانت أول معركة بحرية في تاريخ مصر القديم و أمّن حدوده الشمالية و
الشرقية بعد سنوات من الحروب الضروسة .
لم يهنأ رمسيس الثالث كثيراّ بعد أن توقف
القتال في الشرق و الشمال حتى فوجئ باجتياح القبائل الليبية حدود مصر الغربية
ووصلوا إلى حدود الدلتا فحرك جيشه لطردهم و تأمين حدود مصر الغربية .
أما الداخل الذي انهك اقتصادياّ جراء الحروب
المتتالية و تهديد مستمر لحدود البلاد فكانت القلاقل و التذمر من الشعب .
و قد
حدث في عهده أول إضراب منظم ( عصيان مدني )
من قبل عمّال و فناني دير المدينة و هذه كانت تعد حينها أحد فئات الطبقة الوسطى في الهرم الإجتماعي
المصري ، كان الإضراب له مطالب محددة الأمن و الراتب ، نفهم من سياق الأحداث أنه كان
هناك ما يشبه الإنفلات الأمني الذي يهدد مدينة العمّال و الفنانين و بسبب الأزمة
الاقتصادية تأخرت رواتبهم عدة مرات فقرروا التحرك المنظم .
تدخل الفرعون سريعاّ و استجاب لمطالب فناني و
عمال دير المدينة .
و مما
اثار الإستياء و النقد أيضاّ في عهد رمسيس الثالث هو تغول السلطة الدينية ممثلة في
الكهنة و ازدياد نفوذهم بشكل استفز البلاط الملكي و الطبقة العليا البيروقراطية إن
جاز لنا التعبير .
في اّخر أيام حكم رمسيس الثالث الذي أرهق كثيراّ ، ظنّ أن القصر هو المكان الاّمن الذي سيخلد فيه
إلى الراحة بعد
ثلاثون عاماّ قضاها على عرش مصر، سترفرف روحه إلى السماء و تحلق مع النجوم و ينعم
بالهدوء ثم الخلود .
رتب الفرعون العجوز كل أمور المملكة لينتقل
عرش مصر بسلام إلى ابنه رمسيس الرابع من
زوجته الملكية الأولى و حسب التقاليد المصرية كان هو الوريث الشرعي للحكم .
الوقائع :
صورة من جوجل لمعبد رمسيس الثالث يقع غرب مدينة الأقصر يعرف بمعبد مدينة هابو و كان القصر يقع على يمين الصورة و مازالت بعض أساساته موجودة إلى الاّن و يعتقد حسب البرديات أن مؤامرة الحريم تمت في هذا القصر
في غرف القصر الملكي كانت هناك الملكة تي
التي لم ترضى باختيار رمسيس الرابع كولي للعهد و ملأ قلبها الحقد تجاه زوجها و
قررت هي و ابنها أن ينهيا حياة الملك بالقتل ، دبرت كل شئ و بذلت الأموال لتجنيد
من ينفذ الخطة التي وضعتها لإضعاف جسد الفرعون المنهك بالعزائم السحرية ثم قتله ، و
إلهاء جيش مصر في حرب أخرى جنوباّ فقد حرضت القبائل النوبية على التمرد على حكم
زوجها .
إذاّ كل شئ قد رتب ...سيقتل الملك و الجيش في
الجنوب .... سيعتلي ابنها العرش و لن ينقلب عليه الجيش الذي سيكون على رأسه رمسيس
الرابع ولي العهد .
لا نعلم على وجه اليقين هل تم قتل الملك كما قال
بعض علماء المصريات حديثاّ !!؟ أم أصيب إصابة قاتلة أمهلته بعضاّ من الوقت ليشكل
المحكمة التي ستنظر القضية بعد انكشاف أمر المتاّمرين حسب ما جاء في البرديات !! الفرضية الثانية هي المرجحة عند أغلب علماء
المصريات المعتبرين ، و هو أن الملك قد أصيب و عاش أياماّ حتى شكّل المحكمة و أصدر
أوامره حسب ما هو مكتوب تفصيلياّ في البرديات.
الإجراءات:
أياّ كانت النهاية فلدينا حسب نصوص البرديات
محكمة شكٌلت و لدينا متهمين تم تقسيمهم إلى مجموعات حسب درجة ضلوعهم في الجريمة ،
و بدأت اجراءات التقاضي بعد أن أعطى رمسيس الثالث أوامره الصارمة كما هو مكتوب
نصاّ :
( خذوا حذركم ، اعتنوا لئلا تجعلوا بعض الناس
يعاقب خطاّ على يد موظف ليس مسيطراّ ، هكذا تحدثت إليهم المرة بعد المرة )
لم يكن هذا و حسب بل نجد أن رمسيس الثالث قد
فوّض المحكمة في صلاحياته بالتصديق على الحكم لأنه طرفاّ في القضية بل هو الضحية ، و أنه لن يتحمّل أي وزر و لا خطأ من القضاة
حين يقف أمام ماعت .
مات الفرعون ...
استمرت المحكمة في اجراءاتها يرعاها ابنه ملك
مصر رمسيس الرابع حتى يُكتشف أن اثنين من القضاة قد ثبت عليهم بالدليل القاطع تهمة
تمس الشرف ببعض المتهمات في القضية ، فتوقف المحكمة و تشكل أخرى لمعاقبة القاضيين
أولاّ بجدع الأنف و قطع الأذن و تستكمل الاجراءات القضائية .
الحكم :
انتهت المحكمة إلى اثبات براءة بعض المتهمين
، و معاقبة اّخرين بعقوبات مختلفة حسب درجة ضلوعهم في المؤامرة و حُكم بالإعدام
على أخو ملك مصر رمسيس الرابع و ابن ملك مصر رمسيس الثالث الأمير بنتاور و يعتقد
أن مومياءه هي المومياء المعروفة باسم مومياء الصرخة لأن حُكم الإعدام في مصر
القديمة كان في الأغلب ينفذ بواسطة الإنتحار بتجرع السُم .
مومياء الصرخة و التي يعتقد أنها للأمير بنتاور ابن الملك رمسيس الثالث و الذي يعتقد أنه مات إثر تجرعه مادة سامّة لإنهاء حياته
لا نعلم ما حدث للملكة تي فقد كانت البردية
ناقصة تلف بعض منها و هو ما كان يحكي عن الحكم الذي صدر بحقها و إن نظن أنها لاقت
نفس مصير ابنها بنتاور .
العدل ليس رفاهية
مهما زُوِر التاريخ سيأتي يوماّ قريباّ أم
بعيداّ و تكشف الحقائق .
لا يمكن أن تقوم حضارة سندها البطش و القمع و
الخوف و الظلم فهي حتماّ إلى زوال هكذا علّمنا
المصري القديم . هكذا علّمنا التاريخ .
تقلب صفحات التاريخ حتى نصل إلى القرن
العشرين لنجد قصة أخرى تدعو للتأمل و أخذ العبر
نصل إلى عهد الخديو عباس حلمي الثاني و جليسه
و صديقه الصدوق الشيخ علي يوسف .
الشيخ علي يوسف :
الشيخ علي يوسف
الشيخ علي يوسف
مصري صعيدي من قرية بلصفورة بمحافظة سوهاج ، قصد إلى الأزهر الشريف لتلقي العلم، ثم
تحول إلى الجامع الأحمدي، وهناك اتصل بأسرة تيمور، وكان المرحوم توفيق بك تيمور قاضيًا
بطنطا وعميد العائلة أثناء حياة المرحومة السيدة عائشة التيمورية؛ فلازم الشيخ هذا
البيت الكريم، وهناك تفتحت مواهبه الشعرية، فقال كثيرًا من الشعر وله ديوان مطبوع على
الحجر؛ ولذا ظل طوال حياته يكرم الشعراء ويقدر نظمهم، وقد فتح صدر صحيفته لقصائدهم
الرنانة
يعتبر الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد أول
جريدة مصرية عربية إسلامية أسسها سنة 1889م ، التف حولها رجال الوطنية المصرية و
ساندها الخديو عباس حلمي الثاني و التي بدورها أصبحت لسان الخديو و الناطق الرسمي
باسم الحركة الوطنية المصرية ضد الاحتلال .
كانت مصر تئن تحت صلف الاحتلال الانجليزي بعد
أن أصبح اللورد كرومر المعتمد الريطاني .
اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر
تغلل نفوذ الإنجليز في مفاصل الدولة ، و سحبت
أغلب صلاحيات الخديو عباس حلمي الثاني و الذي قرر دعم الحركة الوطنية للتخلص من
الإنجليز .
تقارب الشيخ علي يوسف و الخديو، و أصبحت جريدة المؤيد منتشرة بين أوساط كثيرة من
الشعب المصري بتلقفون الأخبار منها بعد أن استطاع الشيخ علي يوسف أن يكسر كل
القوالب الجامدة للغة الجرائد السائدة حينها ، كما صمد أمام جريدة المقطم المدعومة
من قبل قوات الاحتلال الإنجليزي .
استطاع علي يوسف من خلال كتاباته و ما تضمنته
الجريدة من استخدام أسلوب إثارة الحس الوطني بأسلوب عاطفي و لكنه ذو مصداقية لدى
الشعب ، فكانت أحد الأسلحة التي اّتت أكلها سريعاّ بانتشار الجريدة و شهرة الشيخ
علي يوسف .
قضية رأي عام زواج الجورنالجي من بنت الأشراف
:
لم تكن هذه القضية
قضية زوجين فقط بل كان لها العديد من التبعات على أصعدة مختلفة و كذلك بعض العبر
التي تدعو للتأمل:
1-
المقاطعة
بين مصطفى كامل أحد اقطاب الحركة الوطنية و الذي أسس جريدة اللواء و أسس الحزب
الوطني بعد أن تصدعت الحركة الوطنية لأسباب عدة منها هذه القضية و ما كتب في جريدة
اللواء عنها وخديو مصر الذي سيؤسس هو و
الشيخ علي يوسف حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية .
2-
أثارت هذه القضية جدلاّ واسعاّ من الناحية الإجتماعية فقد طرحت عدة أسئلة :
-
هل يجوز أن تزوج فتاة راشدة تفسها زواجاّ شرعياّ ممن إختارها و إختارته بصرف النظر
عن معارضة و ليها الشرعي ؟
-
ما هو مفهوم الكفاءة الإجتماعية هل هو الشرف و الحسب الموروث أم هل هو جهد الإنسان
و عمله ؟
3-
أزمة سياسية بين الحكومة و القضاء ، و تمسّك القضاء
باستقلاله التام عن وزارة الحقانية .
4-
تداولت الصحف الغربية هذه القضية و اثارت حقوق المرأة في مصر، و
النظرة المجتمعية للترقي في الهرم الإجتماعي حسب الكفاءة و الجهد و ليس الميراث
سواءاّ حسباّ و نسباّ أو مالاّ و جاهاّ.
سنة 1904 سافر الشيخ علي يوسف إلى الأستانة
برفقة الشيخ عبد الخالق السادات شيخ سجادة طريق السادة الوفائية الصوفية ، و في
الأستانة تقدم الشيخ علي يوسف طالباّ يد كريمة الشيخ السادات و قبلت الخطبة و دفع
المهر و قدمت الهدايا و الشبكة .ولكن لسبب غير مفهوم بعد أن عادا من الأستانة ماطل
الشيخ السادات في اتمام مراسم الزواج و سوّف طويلاّ و غمز البعض أن الشيخ السادات
قد تم إيغار صدره من قبل بعض كارهي الشيخ علي يوسف بإيعاز من الانجليز و لكنها
تبقى فرضية لا دليل عليها .
الشيخ عبدالخالق السادات شيخ طريق السادات الوفائية
الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد
الاّنسة صفية السادات
عندما ملّ الشيخ علي يوسف الانتظار ذهب إلى
الشيخ البكري طالباّ وساطته عند الشيخ السادات و لكن مساعيه لم تنجح ، فقررا أن
يتم زواج الشيخ علي يوسف على الاّنسة صفية بنت عبد الخالق السادات في بيت الشيخ
البكري و يكون الشيخ حسن السقا أحد علماء الجامع الأزهر و كيلاّ شرعياّ عنها و يصبح
الزواج شرعياّ .
علم الشيخ السادات بعدها بيوم ما حدث فثارت
ثائرته و لجأ إلى القضاء المصري بعد أن قدم شكوى في النيابة يتهم فيها صديق الأمس
الشيخ علي يوسف بالتغرير بابنته البكر ، و لكن النيابة حفظت التحقيق لأنه تبين لها
أن الاّنسة صفية هي بالغ رشيد و أن الزواج تم وفقاّ للشرع و بحضور أفراد من
عائلتها فلا شبهة تغرير .
أما المحكمة الشرعية فقبلت القضية التي رفعها
الشيخ السادات لإبطال عقد الزواج لأنه لا تكافؤ في النسب بين الاّنسة صفية الشريفة
التي يتصل نسبها للحسين بن علي و الشيخ علي يوسف الذي لا يدنو من شرف هذا النسب و
لا يكافئها و لا والدها في المهنة و لا في الثروة .
تحولت هذه القضية منذ بدء اجراءات التقاضي
فيها إلى قضية رأي عام تابعها الشعب المصري بجميع أطيافه كما تبارت الصحف في نشر
أخبار هذه القضية و كواليسها .
في 24 يوليو 1904 جلس القاضي أحمد أبو خطوة
القاضي الشرعي لسماع المرافعات و الدفوع من الخصوم في القضية
و كان ممثلاّ عن كل شخص من الثلاثة
محامي هم بالتتابع كما يلي :
1- حسن صبري المحامي عن الشيخ علي يوسف و الذي قال
أن موكله شريفٌ علويٌ مقيد بسجل نقاية الاشراف و ينتمي إلى نسل الحسين ، أما حرفته
فهي ليست حقيرة كما وصفها خصمه في القضية الشيخ عبد الخالق السادات بل هي مهنة
شريفة ، و هو منتخب في الجمعية العمومية عن الأمة المصرية ،و صاحب أول جريدة مصرية
إسلامياّ تدافع عن قضايا الوطن و قضايا الإسلام .
2- الشيخ محمد عز
العرب عن الاّنسة صفية السادات قدم خطاباّ منها يفيد بأن الزواج قد تم بإرادتها
الحرة و بإيجاب و قبول شرعيين ، و لها مطلق الحق في أن تتزوج من تراه كفئاّ لها و
هذا حق أعطته إياها الشريعة الإسلامية و لكل مسلمة و حق الله لا يمكن لبشر أن
يسلبه .
3- عثمان الفندي
عن الشيخ عبد الخالق السادات : الذي قدح
في نسب علي يوسف للأشراف و و حقّر من مهنته و أنها مهنة تقوم على الغيبة و النميمة
و الهمز و اللمز و لا يصلح أن يكون زوجاّ
لابنته بحسبه و نسبه هذا .
استمع الشيخ
القاضي أحمد أبو خطوة للمحاميين و أصدر حكمه في اّخر الجلسة بالتفريق بين الزوجين
حتى يتم البت النهائي في القضية ، و أن يتم الحيلولة بين إتمام الزواج ، و تعود
صفية السادات إلى بيت والدها .
كان الحكم صادماّ للشيخ
علي يوسف ، فسافر إلى الإسكندرية لمقابلة ناظر الحقانية بطرس غالي مستنداّ على
توصية من الخديو عباس حلمي الثاني ، و بناءاّ على هذه الزيارة إرتأت وزارة
الحقانية عدم تنفيذ حكم المحكمة الشرعي الإبتدائي و الانتظار حتى يفصل في
الإستشكال الذي قدمه محامي صفية السادات .
اشتعل الموقف أكثر
...فهاجمت بعض الصحف التي ساندت موقف الشيخ السادات وزارة الحقانية لتدخلها في
شئون القضاء ، كما أتهم بطرس غالي وزير الحقانية بأنه يحقر الإسلام و يستهين
بالشرع .
في الجهة المقابلة
اشتدت الضغوط من قبل الخديو عباس حلمي الثاني على القاضي أحمد أبو خطوة لإصدار حكم
لصالح صديقه الشيخ علي يوسف ، فهدد القاضي
و كذلك قاضي القضاة بأن تدخل الخديو غير مقبول ...و إذا استمر سيتم وقف العمل
بالمحاكم
في مصركلها .
لم يعاقب القضاة
.. لم يحظر النشر .
بعد العديد من
الصولات و الجولات و السجالات بين الجرائد و بين المحاميين في ساحة القضاء جاء الحكم
بعد أن أعتزل القاضي أحمد أبو خطوة الناس و متابعة الصحف حتى يصدر حكمه في القضية
بالحيلولة بين صفية و علي يوسف و تسليمها
إلى أمين مؤتمن يرضاه والدها .. ظل القاضي على قناعته رغم الضغوط التي لم تتوقف و
خاصّة من جانب جناب الخديو عباس حلمي الثاني .
تبع الحكم حكم
اّخر من محكمة الإستئناف و في نفس الأجواء و كان مؤيداّ للحكم الأول و هو عدم صحة
العقد ، و التفريق بين الزوجين .
انتصر القضاء و ظل
مستقلاّ ....
انتهت القصة بزواج علي يوسف من السيدة صفية بعد أن تم
التفريق بينهما و موافقة والدها الشيخ عبد الخالق السادات
مدخل جامع السادات الوفائية بسفح المقط حيث يرقد الشيخ عبدالخالق السادات و السيدة صفية السادات و الشيخ علي يوسف
المقصورة الخشبية التي تحوي قبر الشيخ علي يوسف
و نقلب الصفحات في كتب التاريخ لنصل إلى عصرنا الحالي و نقول
:
العدل ليس رفاهية .
وحق تربة نبى طه كحيل العين
هالبت يوم يتنصب بدال الميزان اتنين..
وانظر بعين الرضا للعدل فى الميزانين
تمت
المصادر :
1-
موسوعة تاريخ مصر - تاليف سليم حسن
2-
موسوعة الأدب المصري- القديم سليم حسن
3-
مقال منشور في جريدة مركز والي للباحثة ميار قطب – الأخالق الخاصة ، و العدالة
العامّة
4-
رمسيس الثالث الفرعون الأخير - تاليف
فرانس فيفر
5-
ورقة بحثية للاستاذ إيهاب درويش – أسس و قوانين و فيم حقوق الإنسان في مصر القديمة
6-
بحث للأستاذ محمود المندراوي – ماعت ربة الصدق و العدل
7-
ورقة بحثية للاستاذ أحمد عبيد علي – العدالة و القانون بين الفهم و الممارسة في
مصر القديمة
8-
مقال الأستاذة تريزا جبران – عصور الإضمحلال
9-
فيلم تسجيلي للمخرج شادي عبد السلام – الفلاح الفصيح
https://www.youtube.com/watch?v=P_U9kgI2UFg
10-
الصحف المصرية في القرن التاسع عشر – صلاح قبضايا
11-
الشيخ علي يوسف و جريدة المؤيد – تأليف سليمان صالح
12-
رجال و نساء من مصر – لمعي المطيعي
13 – ترجمات دي باك لبردية تورين
القضائية
14- الأبيات
المختارة من قصيدة الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم العنبّرة
شكر خاص :
مركز والي للحفاظ
على العمارة و التراث
المستشار محمد
الصعيدي للمراجعة القانونية
الأستاذ محمد سليمان صور قديمة
14 مرجع ...لبوست يستحق الثناء.. بالتوفيق ..
ردحذف14 مرجع ...لبوست يستحق الثناء.. بالتوفيق ..
ردحذفشكراّ جزيلاّ
حذفما أحوجنا إلى مثل هذة الكتابات السلسة التى تثير فضول وانتباه القارئ الى حقيقة تواصل الأيام وان التاريخ ليس غريبا ولا بعيدا عن حياتنا ومعرفته ليست ترفا ولا هى ابتعاد عن الواقع .كل التقدير الباحثة
ردحذفما أحوجنا إلى مثل هذة الكتابات السلسة التى تثير فضول وانتباه القارئ الى حقيقة تواصل الأيام وان التاريخ ليس غريبا ولا بعيدا عن حياتنا ومعرفته ليست ترفا ولا هى ابتعاد عن الواقع .كل التقدير الباحثة
ردحذفاشكرك على هذه الكلمات أستاذي
حذفكلام سلس وجميل وتاريخنا كله فخر ودروس ارجو الاستمرار
ردحذف